للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق؟، فقال رسول الله : «فحج آدم موسى» (١).

٩ - وما قدره الله لا يعلمه الناس إلا بعد وقوعه، فإنه من جملة الغيب الذي لا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضاه من رسله، وهو يشمل الرسل من البشر ومن الملائكة، والرسول قد يخبر بهذا الذي أطلعه الله عليه فيقع كما أخبر به، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)[الجن: ٢٦ - ٢٧]، أما من ألحق (الأولياء) كما هم في عرف الناس الجهلة بالرسل في هذا الاطلاع، بجامع الارتضاء فما أصاب، وأقل ما يقال في قول غير الرسل إذا أخبروا بشيء من ذلك إن لم نقل إنه كهانة وعرافة؛ أنه مجرد تخمينات قد تقع وقد لا تقع، بخلاف ما يطلع الله عليه رسله، فإنه يقع كما علموه وأخبروا به، وقد حصل هذا لنبينا محمد قبل النبوة، إذ كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

والذين يسمون القدرية هم الذين ينكرون القدر، وقد جاء ذكرهم في الحديث ووصفوا بأنهم مجوس هذه الأمة، وذلك لكونهم يقولون بأن الإنسان خالق أفعاله، فيجعلون مع الله خالقا، كما أن المجوس يقولون بوجود إلهين: إله الظلمة وإله النور، فعن ابن عمر عن النبي : «القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» (٢)، وقال: «صنفان من أمتي لا يردان على الحوض: القدرية والمرجئة»، ومما يقضى منه العجب أني سمعت هذه الأيام من يقول ويكرر: المؤمن القوي هو القضاء والقدر، ويبدو أن غرضه استنهاض همم المسلمين حتى لا يتواكلوا، لكن ما هكذا تورد الإبل، ولو قلنا له: فما تقول في المؤمن الضعيف فيما هو عليه؟، أقضاء وقدر أم لا؟، قال رسول الله : «كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس» (٣).


(١) متفق عليه: البخاري (٣٤٠٩)، ومسلم (٢٦٥٢) عن أبي هريرة.
(٢) رواه أبو داود (٤٦٩١) والحاكم، وقد توسع السيوطي في الحديث عنه في اللآلي، وانتهى إلى القول بأنه حسن بشواهده في موضعين من الكتاب، كما حسنه الألباني في «الصحيحة» (٢٧٤٨).
(٣) رواه مالك وسلم عن عبد الله بن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>