المواقع، ومتاع الدنيا قليل، ففيم يترك الحق من أجله؟، ثم من أدراه أن الذي قصر آت من معسكر حتى يجعل المسافة هذه هي سفري؟، وقد قال في فتواه عن هذا العبد الضعيف إنه غريب، وبالفعل فإننا في هذه الأوضاع التي تمر بها بلادنا غرباء، ونحن في الدنيا كيفما كان الحال كالغرباء، والغرابة أيضا في قوله الغليظ وفتواه التي لم يراع فيها علما ولا أدبا، ولله في خلقه شؤون، وإنما فعلت ذلك لأن هذه السنة كادت تموت مع ما عليه فهوم كثير من الناس من كراهة ائتمام المسافر بالمقيم، والمقيم بالمسافر، بما في مختصر خليل ﵀ من ذلك، وهو خلاف الصواب، ومن المستبعد جدا أن يكون هذا هو قول مالك، كيف وقد أثبت في موطئه آثارا عدة في ائتمام المقيم بالمسافر والعكس من فعل عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، ومنها ما رواه عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم يقول:«يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر»، وقد قصر النبي ﷺ الصلاة في فتح مكة وفي حجة الوداع وكان إمام الناس، أفتراه بأبي هو وأمي أقر الذين اقتدوا به على فعل المكروه؟، وثمة حديث ابن عباس في صحيح مسلم وقد ذكرته في هذا الشرح، قال ابن عبد البر في الاستذكار:«وفيه أن المسافر يؤم المقيمين، وهذا هو المستحب عند جماعة العلماء، لا خلاف علمته بينهم في أن المسافر إذا صلى بمقيمين ركعتين وسلم؛ قاموا فأتموا أربعا لأنفسهم أفرادا»، انتهى.