وقد دلّ كتاب الله على كفر من خالف إجماع المسلمين المتيقن، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)﴾ [النساء: ١١٥]، ودل على بقية الأصول التي يرجع إليها لمعرفة أحكام الله تعالى كالقياس وسد الذرائع وغيرها.
وقد وصف النبي ﷺ بأنه هاد، لأنه قد جاء بالهدى ودين الحق، فهدى الله به الضالين إلى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام نفسه بأصليه الكتاب والسنة، فلا يمكن أن يكون مهتديا من تنكب عن طريقته، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥٢ - ٥٣]، فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، ولا بد في الإسلام من توحيد المرسِل الذي هو الله تعالى بعبادته وحده كما تقدم، وتوحيد اتباع الرسول، بحيث لا يقدم على طاعته طاعة غيره كائنا من كان متى كان الأمر لازما.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية ص (٢١٧): «فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره، ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه (كذا بالالتفات) وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوض إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرفه عن مواضعه، وسمى تحريفه تأويلا وحملا، فقال: نؤوله ونحمله، فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال».
وحاجة الإنسان إلى الهداية إلى الصراط المستقيم أعظم من جميع حاجاته الأخرى، فإن الكثير من هذه تتقاضاها الطباع كالأكل والشرب واللباس والنوم وأنواع من العلوم والمعارف، بخلاف الهداية فإنها ليست كذلك بعد أن يفعل المحيط فعلته في الإنسان الذي يولد على الفطرة، ولأن خسارة الإنسان بافتقاده بعض ما تقدم ليست كخسارته إذا ضل ومات على غير الهدى، بل إنه خاسر في الدنيا نفسها، فضلا عن الآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ