للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)[الحج: ١١].

وتدبّر كلام ربّك، فقد افتتح الله ذكر المنهيات في سورة الإسراء بقوله: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)[الإسراء: ٢٢]، وهذا بيان لخسارة الدنيا بالمعيشة الضنك، ولو نال ما نال المرء من متاعها، وقال في ختام تلك المنهيات: ﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩)[الإسراء: ٣٩]، وهذه عاقبة المشرك في الآخرة، وهي الخلود في النار، فلما كان النهي عن الشرك رأس المنهيات ابتدأ به واختتم به، فاحذروا عاقبته، واجتهدوا في التحذير منه.

ولذلك فرض الله تعالى على كل مسلم أن يدعو بهذا الدعاء في كل ركعة من الصلوات الخمس وغيرها من النوافل، وجعله بصيغة الجمع وقدم بين يديه هذا الثناء العظيم من عبده عليه حتى يكون أقرب إلى القبول، ولما كانت درجات الهداية متفاوتة كان النبي وهو سيد المهتدين يقول في دعائه إذا قام من الليل من جملة ما يقول بعد تمجيد الله تعالى والثناء عليه: «اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (١)، وورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (٢) عن علي بن أبي طالب أنه قال له: «قل اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم».

قال ابن الأثير: «والمعنى إذا سألت الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق، وسل الله الاستقامة فيه، كما تتحراه في سلوك الطريق، لأن سالك الفلاة يلزم الجادة، لا يفارقها خوفا من الضلال، وكذلك الرامي إذا رمى شيئا سدد السهم نحوه ليصيبه».


(١) رواه مسلم (٢٧٢٥) وغيره عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-.
(٢) انظر «مختصر مسلم» (١٨٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>