للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله الترك لما يحرم … من غير قصد نعم فذا مسلم

ومما يدل على أن النفقات الواجبة يؤجر عليها المرء بالنية حديث الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعا: «نفقة الرجل على أهله صدقة» (١)، فإنه قد قيد في رواية بالاحتساب، وكذلك النفقة المشروعة عموما، فقد قال النبي فيما رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك» (٢)، فقيد الأجر بابتغاء وجه الله.

وقد يكون في إطلاق القول بأن الأعمال المطلوبة التي ليست النية شرطا في صحتها لا يؤجر عليها المسلم إلا بالنية نظر، فإن الذي يظهر أن ثبوت الأجر الأصلي الذي على العمل المطلوب يكون بمجرد فعله، إذا لم تكن النية شرطا فيه، فإن الواجب وكذا المندوب في فعلهما الثواب، وفي ترك الواجب العقاب، أما الأجر المقيد الحصول عليه بالاحتساب؛ فإنه القدر الزائد الذي يناله إن هو قصد الامتثال، فإن هذا القصد يجعل العمل ولو مباحا فيه الأجر، وقد قال النبي : «وفي بُضع أحكم صدقة، قالوا: أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» (٣)، فناط النبي اعتبارها صدقة بمجرد كون الفعل مباحا حلالا، فإذا كان الأجر يحصل بفعل المباح الفطري الجبلي الذي تتقاضاه طبيعة الإنسان، فكيف بفعل الواجب الشاق الذي لا تتقاضاه، بل يحمل المرء نفسه عليه حملا؟، وقد ساق النبي إتيان الشهوة مع التسبيح، والتحميد، والتكبير، وهي عبادات مساقا واحدا، ويتأيد هذا بكون المسلم حين أسلم قد دخل على المشروع من الأفعال دخولا عاما، من كونها مأذونا فيها، فيؤجر على كل ما يفعل، فكيف بالواجبات؟.

قال سليمان الداراني: «من عمل خيرا من غير نية كفاه نية اختياره الإسلام على غيره


(١) متفق عليه: البخاري (٤٠٠٦)، ومسلم (١٠٠٢) بنحوه.
(٢) متفق عليه: البخاري (٥٦)، ومسلم (١٦٢٨) مطولا.
(٣) رواه مسلم (١٠٠٦) عن أبي ذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>