للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود أنه لم يعلمها دعاء مسألة في هذا الموقف الخطير، بل اكتفى بأن علمها أن تذكر في هذا الموقف نفسها بتوحيد الله تعالى، ونفي الإشراك به، ومن ذلك أن بعضهم قال للنبي : «ما شاء الله وشئت»، فصحح له بقوله: «أجعلتني لله ندا؟، قل ما شاء الله وحده» (١)، وقال له جماعة: «أنت سيدنا»، فقال لهم: «السيد الله» (٢)، وقال : «ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام،،،»، الحديث (٣)، فابتدأ بعبادة الله وعدم الإشراك به، وذكر طيب النفس مما يعين صاحب الصدقة عليها، والمقصود الاجتهاد في تربية الناس على العقائد الصحيحة كلما أمكن ذلك، وتصحيح فاسد الاعتقاد دون تأجيل باغتنام الفرص.

تجد في كناب ربك حصر كل ما أوحي إلى النبي في التوحيد، كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨)[الأنبياء: ١٠٨]، وغير ذلك، وهذا يوجه بأن ما في القرآن لا يخرج عنه عينا أو تعلقا، فإنه دعوة إلى توحيد الله تعالى بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله الجميلة وتصرفه الحكيم في خلقه، وبيان آياته المرئية والمتلوة على ذلك، وإيراد ما يلزم ذلك من طاعته والخضوع له سبحانه، وذكر محابه ومراضيه ومساخطه ومعاصيه، وذكر أوليائه، وما وعدهم به من النصر والتمكين، وما أعد لهم في الآخرة من الجنان والنعيم المقيم، وذكر أعدائه وما أوعدهم من الذل والخذلان في الدنيا والنيران في الجحيم، فتبين أن القرآن كله كلام على التوحيد، ببيانه وحقه وذكر أهله وغيرهم من أعدائه، وما أعد للفريقين.

فعلى الدعاة أن لا يغفلوا هذا المنهج، حتى وإن أفردوا العقيدة بحلقة خاصة، أو كتب خاصة، وذلك أمر لا بد منه، فإنه قد لجأ العلماء إليه بعد أن حدث في الأمة ما جعلهم يفردون التوحيد بالتأليف، ويخصونه بالتدريس والتصنيف، وقد كان في بداية الأمر ردودا


(١) رواه أبو داود (٤٩٨٠)، وابن ماجه (٢١١٧).
(٢) رواه البخاري في الأدب المفرد (٢١١).
(٣) رواه أبو داود (١٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>