واعلم أخي القارئ أن المسافر متى قضى نسكه؛ ينبغي له الإسراع في الرجوع إلى أهله، وإن كان حاجا أو معتمرا؛ فلا أرى له أن يقيم زيادة على المدة المحددة له في وثيقة سفره، لما يترتب على ذلك من المفاسد له ولغيره، ولا يحسن بالمرء أن ينشئ سفرا لغير غرض مشروع، ومنه التجارة الحلال، والحج، والعمرة، وصلة الرحم، وطلب العلم، والدعوة إلى الله ممن هو لها أهل، والجهاد بشرطه، والقدوة في النبي ﷺ، فإنه لم يسافر إلا لحج، أو عمرة، أو جهاد، وحض على السفر في طلب العلم، وذكر الله تعالى الضرب في الأرض للتجارة، وقد قال النبي ﷺ:«السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته؛ فليعجل إلى أهله»، رواه مالك (١٧٩٢) والبخاري (١٨٠٤) عن أبي هريرة، والمراد بالعذاب ما يترتب على السفر من المشاق، وقد ذكر بعضها في الحديث، والنهمة بفتح النون وسكون الهاء؛ ما يريده المرء من سفره، فكيف بمن يتعبون أنفسهم في الباطل فيعرضون أنفسهم لأعظم المشاق كصعود قمم الجبال، وحمل الأثقال، والسير على الحبال، وتسلق العمارات، وجر العربات، وابتلاع الزجاج، ونحو ذلك مما ليس الغرض منه التدرب على فنون القتال، والاستعداد للمشروع من النزال، قال الحافظ في الفتح:«وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع، ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة له على صلاح الدين والدنيا، ولما فيها من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة»، وبنعمة الله تتم الصالحات.