للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أجمع أهل العلم على حل الذبيحة به، فلذلك أخذ أهل المذهب بالحد الأعلى، قال ابن المنذر: «وأجمعوا على أن المرء إذا ذبح ما يجوز الذبح له، وسمى الله، وقطع الحلقوم والودجين، وأسال الدم؛ أن الشاة مباح أكلها»، وأضاف ابن رشد إلى المجمع عليه قطع المريء، لكن هذا الإجماع إن ثبت لا يدل على أن ما كان أقل مما أجمع عليه؛ لا تحل معه الذبيحة، ثم وجدت ابن رشد نص عليه في بداية المجتهد (١/ ٤٤٥) إذ قال: «لأن ما وقع الإجماع على إجزائه؛ لا يلزم أن يكون شرطا في الصحة»، ومن أدلة أهل المذهب في اشتراط قطع ما تقدم؛ حديث رافع بن خديج قال: يا رسول الله ليس لنا مدى، فقال رسول الله : «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه؛ فكل، ليس السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة»، رواه الشيخان (خ/ ٥٥٠١) عن رافع بن خديج، وأنهر الدم؛ أساله وصبه بكثرة، والمدى جمع مدية مثلثة الميم وقد تقدمت، وأهل المذهب حملوا إنهار الدم على أقصى حالاته بقطع الأوداج وما ذكر معها، ولم يدخلوا المريء لأن ما يسيل بقطعه من الدم قليل، ومما استدل به على قطع ما ذكر أو بعضه حديث ابن عباس قال: «نهى رسول الله عن شريطة الشيطان»، رواه أبو داود (٢٨٢٦)، وقد فسرت الشريطة بالتي تذبح فيقطع الجلد، ولا تفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت، هكذا فسرها بعض رواة الحديث، وقد ترجم عليه أبو داود بقوله: «المبالغة في الذبح»، يعني أن ذلك مطلوب، لكن هذا لا يثمر المراد، وهو اشتراط قطع ما ذكر في حل الذبيحة، ولو صح الحديث لكان المراد منه النهي عن تعذيب الحيوان بإطالة زمن زهوق روحه، وهذا مما لا خلاف فيه، قال الخطابي في معالم السنن (٤/ ٢٨١): «وأخذت الشريطة من الشرط، وهو شق الجلد بالمبضع ونحوه، كأنه قد اقتصر على شرطه بالحديد، دون ذبحه، والإتيان بالقطع على حلقه».

والذي ينبغي أن يقال هو أن الشارع رمى إلى إزهاق روح الحيوان بطريقة فيها إحسان كما تقدم، لكنه نوع ذلك بحسب ما يمكن من الوسائل، فليس المتوحش من الحيوان كالمستأنس، وليس الحيوان المتردي كغيره، وقد جاء حديث أبي العشراء

<<  <  ج: ص:  >  >>