للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقرا؛ غلب صاحبه، كره لحومها؛ لئلا يكون مما أهل به لغير الله ، قال الخطابي : «وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان عند قدوم الملوك والرؤساء وأوان حدوث نعمة تتجدد لهم في نحو ذلك من الأمور»، انتهى.

قلت: تجدد النعمة مثله القصد إلى دفع النقمة بالذبح، ولا سيما مع جعل الذبح تحت عنوان طعام سيدي فلان، ووعدة فلان، فهذا أعظم مما نبه عليه البغوي والخطابي، وهو أقوى في المنع مما دل عليه حديث النهي عن معاقرة الأعراب، لأنه ليس فيه إلا المفاخرة، مع احتمال غيرها، أما الوعدة ففيها ضروب عدة من المخالفات بعضها شرك بلا ريب، والقرائن المصاحبة للفعل لا ينفع معها القصد لأنه أمر يخفى، فلا تناط به الأحكام.

فأما أن الصيد لمجرد اللهو مكروه؛ فلقول النبي : «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان؛ افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قربا؛ إلا ازداد من الله بعدا»، رواه أحمد عن أبي هريرة، كما في الصحيحة برقم (١٢٧٢)، وفقراته الثلاثة الأول عند أبي داود (٢٨٥٩) والترمذي وحسنه وابن ماجة والطبراني عن ابن عباس كما في مسالك الدلالة، وهو في صحيح الجامع الصغير، فلما كان اتباع الصيد ذريعة إلى الغفلة؛ كان مكروها، فإن شغل عما هو واجب؛ فهو محرم، وأما الصيد لغير اللهو كمن كانت معيشته منه، فهذا لا حرج فيه، وقد يكون واجبا، إن لم يكن له مورد رزق غيره، وقد صرح بذلك الشيخ زروق.

وقد امتن الله تعالى علينا بما أحله لنا من صيد البر لغير المحرمين، وبصيد البحر في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا (١٤)[النحل: ١٤]، وقال: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، ولما كان التمكن من الحيوان المتوحش لا يتيسر كما يتيسر ذلك في الحيوان المستأنس؛ وسع الله الوسيلة إلى ذكاته، كما أباح لنا صيد البحر، ولم يجعل فيه ذكاة، بل أباح لنا طعام البحر، وهو ما كان ميتا فيه من غير صيد، كما قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ (٩٦)[المائدة: ٩٦]، فلله الحمد والمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>