القرطبي جزم في موضع آخر من تفسيره (٦/ ٣٠١) بأنه إنما كرهه ولم يحرمه، قال:«وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم والصيد باب آخر، فلا يدخل في عموم الطعام، ولا يتناوله مطلق لفظه»، ثم قال:«هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعا عندهم فلا يكون من طعامهم، فيسقط عنا هذا الإلزام، فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم؛ فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له فإنه من طعامهم».
قال كاتبه: وفي أخذ تحريم صيد غير المسلم من قوله تعالى: ﴿تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾؛ نظر، فإنها جملة وقعت حالا من الصيد بحسب الواقع الغالب، فإن صيد البر إلى الآن ما زال صيدا فرديا، وهي بعد ذلك معارضة بقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾، وهذا من طعامهم، لأن تفسير من فسر الطعام بالذبائح وهم الجمهور لا يريد به نوعا من أنواع الذكاة وهو الذبح، بل المقصود ما يذكى به الحيوان، وإن كان الذبح هو الغالب على أنواع الذكاة، بل أقول إن الصيد تنتفي عنه الشبهات التي ترافق الذبح، لأنه أبعد أن يقصد به التقرب إلى غير الله تعالى، أو يسمى عليه غير اسمه سبحانه، فيكون من هذه الحيثية أولى بالحل مما يذبح أو ينحر، والله أعلم.