القتال مع علمهم إنما كان لظهوره وقوة جيشه، ولكون تجديد الدعوة فيه تذكير بالله وبالإيمان به، فعسى أن تنفع في وقت ما لم تنفع في آخر، والخلاف المذكور في حق من بلغته الدعوة، أما من لم تبلغه؛ فلا خلاف في وجوب دعوته قبل مناجزته، وهكذا من طلب من المحاربين الأمان لأجل أن يعرف ما يريد من الإسلام.
وقد روى مسلم (١٧٣١) عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال:«اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، وفيه: وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا؛ فاستعن بالله وقاتلهم،،،» الحديث بطوله، وجعله في بلوغ المرام من مسند عائشة فانظره.
وقوله إلا أن يعاجلونا؛ يعني فلا تستحب دعوتهم لأن المعاجلة تنقل الجهاد من كونه جهاد طلب إلى جهاد دفع عن النفس، حتى ولو لم يكن الكفار قد غزوا دار المسلمين، إذ كيف تكف عن قتال من يقاتلك، هذا يؤدي إلى موت المسلمين، ولذلك رأى بعضهم حرمة الدعوة حينئذ.