للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله غيرها عائد على اليمين، وليس ذلك بمراد، والمقصود المحلوف عليه، يدل عليه ما بعده، فهو من إطلاق السبب وإرادة المسبب، وفي الحديث مشروعية الحنث في اليمين متى رأى الحالف أن ذلك خير، كأن يترتب على عدم حنثه ضرر لنفسه، أو لأهله، أو لغيرهم، وقد خُص الأهل بالذكر في قول النبي : «والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله؛ آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه»، رواه البخاري (٦٦٢٥) ومسلم عن أبي هريرة، وهو مرجع تسمية يمين اللجاج، يقال لج يلج بكسر اللام لجاجا إذا تمادى على الأمر، وأبى أن ينصرف عنه، والمراد الثبات على ما حلف عليه بعدم الحنث، وقوله في أهله؛ أي يمينه المتعلقة بأهله، ومعناه أن من حلف على يمين يترتب على عدم الحنث فيها ضرر لأهله؛ فليحنث ويكفر، لأن استمراره على ما حلف عليه أعظم إثما من حنثه مع الكفارة، وظاهر قوله آثم؛ أن الأصل في اليمين البر بها ما لم تكن معصية، وما لم ير الحالف أن غيرها خير منها، وذلك لأن من قال والله لأفعلن كذا؛ فقد عقد اليمين بالله، «فإذا كان قد عقدها بالله؛ كان الحنث فيها نقضا لعهد الله وميثاقه لولا ما فرضه الله من التحلة،،،»، قاله ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٣٥/ ٢٥١)، وقيل إن صيغة التفضيل ليست على بابها، وإنما جاءت على زعم الحالف وتوهمه أن في الحنث إثما.

قلت: الأصل الوفاء باليمين، ثم جاء الإذن في الحنث مع الكفارة كما هو في مستدرك الحاكم عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله إذا حلف على يمين لا يحنث، حتى أنزل الله تعالى كفارة اليمين، فقال: «لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمين ثم أتيت الذي هو خير»، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، ويدل على هذا أن سورة المائدة متأخرة في النزول وهي التي فيها الكفارة، وليس ذلك في سورة البقرة، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>