للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطأ لها خلفه، ومد الحجاب»، رواه البخاري (٤٢١٣)، قال الباجي في المنتقى (٣/ ٣١٣): «فوجه الدليل من هذا الحديث؛ أن أصحاب النبي قالوا إن حجبها؛ فهي من أمهات المؤمنين، ولو كان أشهد على نكاحها؛ لعلموا ذلك بالإشهاد»، انتهى.

قلت: قول أنس فقال المسلمون … ؛ لا يلزم منه أن يكون جميعهم لم يعلموا، فإن المطلوب في النكاح شاهدان فحسب، والناس في سفر، كما أنه لا ضير إذا لم يعلم أنس بذلك.

فإن قيل: كيف لا يعلم وهو خادم النبي ؟؛ فالجواب: أن ذلك لا يقتضي علمه بكل أحواله، ولا يلزم أن يتم العقد في مكان أنس موجود فيه، ومما يلزم من احتج بهذا الحديث على أن النكاح يصح من غير إشهاد؛ أن يسقط الإشهاد من النكاح جملة، عند العقد وعند الدخول، لأن الصحابة على قول من احتج بالحديث لم يعلموا بزواج النبي من صفية إلا بعد بنائه بها بثلاثة أيام كما هو ظاهر الخبر، أعني لم يعلموا أهو نكاح أو ملك يمين، ولو قيل إن نكاحه إياها لم يشهد عليه غير أنه شاع؛ لما قبل هذا أيضا من قائله، وإن كان شيوع النكاح كافيا، لأنه إذا احتج بالحديث على عدم الإشهاد؛ فأحرى أن يستدل به على عدم الشيوع، وكل دليل من الكتاب أو السنة احتج به على غير ما هو له فأنت واجد فيه إن شاء الله توفيقك ما يرد ذلك الاحتجاج، لكن ينبغي أن يوضع في الحسبان بعد هذا البيان أن عدم اشتراط الإشهاد حال العقد هو قول عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير والحسن بن علي وعبد الرحمن بن مهدي، وممن قال بلزوم الإشهاد عند العقد الأوزاعي والثوري وأحمد بن حنبل وقبلهما عبد الله بن عباس والحسن البصري وسعيد بن المسيب، ذكرهم الباجي في منتقاه، فالحاصل أنه لا بد من إعلان النكاح؛ فإن تم باستفاضة الخبر كفى، وإلا فلا بد من الشاهدين، وقد رجح ابن تيمية مذهب أهل المدينة في هذا الأمر، فلينظر مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>