أَنَّهُ الْحَقُّ (٥٣)﴾ [فصلت: ٥٣]، ومن الخير له أن يكتفي بالاتباع والامتثال، هذا يصطنعه أحيانا الصغير مع الكبير، والتلميذ مع الشيخ، فكيف بالمخلوق مع الخالق الذي قال بعد ما تقدم: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، وقال: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (٦)﴾ [الفرقان: ٦].
ومن المقاصد التي رمى إليها الشرع من النكاح الاستجابة لصرف الغريزة الجنسبة بالطريقة المقبولة المختلفة عما عليه الأمر عند الحيوان البهيم، ومنها ما يحصل للزوج والزوجة من سكون النفس واطمئنانها، وما ينشأ بينهما من المودة والرحمة، ومنها التوالد والتناسل، ومنها إنشاء صلات جديدة بين الناس، فإنه لولا النكاح الذي ينشأ عنه الصهر ما تجددت الأنساب، ولهذا امتن الله تعالى بهما علينا في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤)﴾ [الفرقان: ٥٤]، وهو وسيلة من وسائل التعارف كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (١٣)﴾ [الحجرات: ١٣]، وهذه المقاصد منها ما لا يتحقق شيء منه بالتزوج بالمحارم، ومنها ما يتناقض معه، وقد صان الله تعالى بما حرم من النساء بالنسب والمصاهرة والرضاع أن تغلب دواعي الشهوة والاستمتاع واللهو على ما تتقاضاه الفطرة السليمة والجبلة المستقيمة تجاه المحارم من التكريم والتعظيم والتجلة والاحترام.
قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره (٤/ ٢٩٥): «واعلم بأن شريعة الإسلام قد نوهت ببيان القرابة القريبة، فغرست لها في النفوس وقارا ينزه عن شوائب الاستعمال في اللهو والرفث، إذ الزواج وإن كان غرضا صحيحا باعتبار غايته إلا أنه لا يفارق الخاطر الأول الباعث عليه، وهو خاطر اللهو والتلذذ»، انتهى.
كما صان بذلك أن تختلط الأنساب ولا تحفظ، وانظر كيف يجتمع بهذا النكاح لو لم يحرم في الشخص الواحد أكثر من وصف، فيكون ابنا وزوجا في آن، أو أخا وزوجا، أو زوجا وابن أخ، أو زوجا وابن أخت، وهكذا.
والرضاع من امرأة يجعل الرضيع بمثابة الجزء منها، فمن رضع منها كان شبيها بأخيه الذي مر بالرحم الذي حواه، فلهذا جعل الله تعالى الحرمة بالرضاع كالحرمة