على أن الصواب إن شاء الله هو الأول، وقد قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)﴾ [البقرة: ١٨٠]، ويلزم على قولهم؛ أن يكون أول هذه الآية دالا على وجوب الوصية، وآخرها دالا على ندبها، فتدبرها مليا وفقك الله.
أما أن المتعة لا تكون لمن لم يدخل بها إذا فرض لها؛ فلأن المطلوب إعطاؤها نصف الصداق كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾، ويحمل على هذا المقيد؛ مطلق قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)﴾ [الأحزاب: ٤٩]، وقد يقال إن آية سورة البقرة وهي فيمن طلقت قبل الدخول؛ ليس فيها النص على عدم التمتيع، بل هي ساكتة عنه، فالأولى الأخذ بعموم قوله ﷾: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)﴾ [البقرة: ٢٤١]، وقد لقن الله تعال نبيه ﷺ ما يقول لأزواجه الطاهرات بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨)﴾ [الأحزاب: ٢٨]، والنظر في مجموع النصوص يقود إلى القول بوجوب المتعة لمن طلقت قبل المسيس ولم يفرض لها، وندبها إن فرض لها، وهكذا من دخل بها، وقد وقفت بعد على قول للشوكاني في السيل الجرار مال فيه إلى هذا.
قلت: ولننظر إلى قول النبي ﷺ: «متِّعها، فإنه لابدّ من المتاع، ولو نصف صاع من تمر» قاله لحفص ابن المغيرة لما طلّق امرأته، رواه البيهقي عن جابر ﵁، وهو في الصحيحة.