تعالى، قال سبحانه: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤)﴾ [هود: ٧٤]، فإن الذين جادلهم إبراهيم إنما هم الملائكة، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٨ - ١٩]، والذي قرأ على النبي ﷺ إنما هو جبريل ﵇، وقال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥)﴾ [الواقعة: ٨٥]، وكما جاء التعبير عن قبض الأرواح تارة بإسناده إلى الملائكة، كقوله تعالى: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام: ٦١]، وتارة إلى ملك الموت كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: ١١]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢]، وربما فر بعضهم من هذا المعنى الذي لا يختلف في صوابه فوقف على لفظ (الملائكة) من قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠)﴾ [الأنفال: ٥٠]، كما فعل ابن أبي جمعة الهبطي، فيقال: وما ذا يفعل بالآيات التي أسندت التوفية فيها إلى الملائكة نصا كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨].
وقوله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هي آية من سورة الأنعام: ٥٩]، وفيها دليل على أن الله تعالى عالم بكل الأشياء من غير فرق بين الكليات والجزئيات، ولا بين المعقولات والمحسوسات، وقد ذهب إلى التفصيل الفلاسفة، فأنكروا إحاطة علم الله بالمخلوقات، وقوله «إلا يعلمها»، أي يعلمها علم وقوع كما تقدم، وإلا فهو عالم بكل ما يكون في الأزل، والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ، والمراد ضبط تلك المعلومات، وعدم تبدلها أو تغيرها عما هي عليه في علم الله تعالى.
فإن قيل: العلم هنا متعلق بالمحسوسات فأين دليل العلم بالمعقولات والإرادات؟، قيل: بل السياق شامل للجميع، لأن قبله قوله سبحانه: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [سورة الأنعام: ٥٩] وقال: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢]، وقال: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)﴾ [النبأ: ٢٩].