بداية المجتهد (٢/ ٢٣٢): «ومن ضمنه فلا دليل له إلا النظر في المصلحة وسد الذريعة»، انتهى، وفي المدونة «وقد قضى الخلفاء ﵃ بتضمين الصناع، وهذا علم العامة»، انتهى، وذكر الباجي أن تضمين الصناع مما أجمع عليه عامة أهل المدينة، وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة (٢/ ١١١١): «أجمع عليه الصحابة»، انتهى.
وفي المدونة (٣/ ٣٧٣): عن ابن وهب قال لي مالك: «إنما يضمن الصناع ما دفع إليهم مما يستعملونه على وجه الحاجة إلى أعمالهم، وليس ذلك على وجه الاختبار لهم والأمانة، ولو كان ذلك إلى أمانتهم لهلكت أموال الناس، وضاعت قبلهم، واجترؤوا على أخذها، ولو تركوها لم يجدوا مستعتبا، ولم يجدوا غيرهم ولا أحد يعمل تلك الأعمال غيرهم فضمنوا ذلك لمصلحة الناس، ومما يشبه ذلك من منفعة العامة ما قال رسول الله ﷺ: «لا يبع حاضر لباد، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق»، فلما رأى أن ذلك يصلح للعامة أمر فيه بذلك»، انتهى.
قلت: لكنه أمر ونهى لأن له الأمر والنهي وغيره ليس كلك، وفي المدونة أيضا (٣/ ٣٧٤): عن يحيى بن سعيد أن الخلفاء ما زالوا يضمنون الصناع»، وليس بظاهر في أن مراده الخلفاء الأربعة، مع أنه من غير إسناد، وإذا صح شيء من هذا مع ما كان عليه الأمر من غلبة الخير على الناس فأحرى أن يقال بذلك في هذا الزمان لو قام على تضمينهم دليل، بل الظاهر أنه لا إجماع على ذلك، وإلا فكيف يقول بعدم التضمين كثير من أهل العلم منهم أحمد وأبو حنيفة، وللشافعي قول بذلك، وغيرهم كثير، وعليه فيبقى الأمر على الأصل من عدم الضمان كالمستأجر والمودع والمشتري في زمن الخيار حتى يثبت تعدي الصانع وتفريطه، وخالف أشهب فقال بتضمينهم ولو ثبت عدم تفريطهم، ومما يضمنون فيه أن يتولى العمل غير المؤهل للصنعة فيفسد الشيء بسبب صنعته قياسا على الذي يتطبب وليس بطبيب، وقد قال فيه رسول الله ﷺ:«من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن»، رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو، والمتطبب الذي يتعاطى علم الطب بكسر الطاء ويجوز ضمها وهي لغة العامة عندنا.