في العين والنضح ولن تجد أحدا يساقي في أرضين سواء في الأصل والمنفعة إحداهما بعين واثنة غزيرة والأخرى ينضح على شيء واحد لخفة مئونة العين وشدة مئونة النضح»، انتهى، و الواثنة هي الدائمة.
ومراده أن المُسَاقَى لا يقبل أن يساقي على النصف مثلا في أرض يحتاج في سقيها إلى استخراج الماء من البئر أو جلبه بوسائل النقل كما يساقي بذلك الجزء على أرض تسقى من غير كبير مئونة، ومهما يكن فالظاهر أنه إن تبرع بشيء بعد العقد على جعل العمل كله على المُسَاقَى فلا مانع كما تقدم في الشركة، والممنوع عندهم أن يكون ذلك شرطا، وقالوا إن الذي على العامل هو ما تفتقر إليه الثمرة من السقي والإبار والتنقية والجذاذ وإحضار الآلات والأدوات، لأن العوض عما يأخذه هو العمل فينبغي أن يكون جميعه عليه.
وفي هذا نظر فإنه إن أخذ من فعل النبي ﷺ فإنه ليس فيه نهي عن غير تلك الصورة من المساقاة التي اتفق عليها مع يهود خيبر، وإن كان ذلك الشرط قد أخذ من الاقتصار على المنقول من تفاصيل الرخصة بحيث لا يتعدى، فقد تجاوزه أهل المذهب وغيرهم، لأنهم لم يقتصروا على المساقاة في الأصول، ولا اقتصروا في الجزء المعطى للعامل على النصف، وأصل العقود التراضي فإذا تراضيا على خلاف ما تقدم فإن على المانع الدليل، والله الهادي إلى سواء السبيل، والذي يظهر أن الممنوع هو ما اتفق أهل العلم القائلون بالمساقاة على عدم مشروعيته، وهو أن لا ينفق العامل شيئا غير عمله قال ابن رشد في بداية المجتهد (٢/ ٢٤٨): «واتفق القائلون بالمساقاة على أنه إن كانت النفقة كلها على رب الحائط وليس على العامل إلا ما يعمل بيده أن ذلك لا يجوز، لأنها إجارة بما لم يخلق»، انتهى، وقال خليل:«إنما تصح مساقاة شجر وإن بعلا، ذي ثمر لم يحل بيعه، ولم يخلف إلا تبعا، بجزء قل أو كثر شاع وعلم بساقيت»، وأشار إلى المساقاة على الزرع بقوله:«كزرع وقصب وبصل ومقثأة إن عجز ربه وخيف موته وبرز ولم يبد صلاحه».