للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - وأن كل ما علمه الله كائنا هو في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)[النبأ: ٢٩]، وقال: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢]، وقال: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وقال: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)[القمر: ٥٢ - ٥٣]، وقال النبي : «إن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب، قال: وما أكتب؟، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (١).

ج - وأن كل ما هو كائن من الذوات والأفعال قد شاءه الله وأراده، فلا يقع في ملكه إلا ما أراد، قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)[آخر سورة التكوير]، وروي عن النبي أنه قال: «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن»، ومعناه مجمع عليه، وهو عموم.

د - وأن الله تعالى يخلق ما علمه كائنا بمشيئته ذواتا كان أو أفعالا، فلا خالق لشيء غيره، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)[الصافات: ٩٦]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٨].

ولتعلم أن هذا التقسيم للقدر بهذا التفصيل قد قيل إنه لم يكن معروفا قبل شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد فصل القول فيه ابن القيم في كتابه المسمى (شفاء العليل، في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل)، لكن زعم بعضهم أنه من البدع، فيقال: إن المتقدمين إذا لم يذكروه بهذا التفصيل؛ فهو داخل فيما يعنونه بالقدر بلا ريب، فإن القدر الذي هو التقدير للأشياء على وجه مخصوص لا بد أن يكون مطابقا للعلم، وعلم الله تعالى من صفاته الذاتية وهي أزلية، وقد دل الدليل على كتابة كل شيء هو كائن، فلا بد أن يكون ما علمه الله وقدره مكتوبا سلفا، وما قدره وكتبه سبحانه؛ لا بد أن يكون قد شاءه وأراده، ثم أوجده على النحو الذي علمه وكتبه وأراده، فهذه المفردات التي هي العلم بما هو كائن، وكتابته، وإرادته، وإيجاده، يتعين الإيمان بها بلا خلاف، وقد تبين وجه تعلقها بالقدر، فلا حرج في هذا التقسيم لأجل التوضيح، وقد علمت زيادة على ذلك أن ابن تيمية


(١) رواه أبو داود (٤٧٠٠) عن عبادة بن الصامت.

<<  <  ج: ص:  >  >>