المسالك (٦/ ٥٣١)) فقال يرد على من حمل الأمر على دلالته الأصلية: «كذلك نقول إن لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب، أو يدل على سقوط الوجوب دليل، وها هنا قرينة وهي قول الله تعالى: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾، فصرف الأمر إلى علم المأمور، والتكاليف الجازمة والأوامر الواجبة لا تقف على خيرة المكلف وعلمه»، انتهى.
قال كاتبه: ليس في ذلك القيد خيرة للمكلف، بل فيه تقييد بعلمه ذلك من مملوكه، فَيُدَين ويوكل الأمر إليه، ومن ذا الذي يكون رقيبا على المرء إذا قال مثلا لا أقدر على صيام شهرين متتابعين فأَنتقلُ إلى الإطعام غير نفسه وما فيها من خوف لربه وطلب لمرضاته؟، ومن ذا الذي يراقب المرأة وهي مؤتمنة على انقضاء عدّتها بمضي ثلاثة قروء غير كونها مؤمنة تخشى الله وقد خاطبها بقوله ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (٢٢٨)﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وهل الأوامر الشرعية إلا أمانات اؤتمن عليها عباد الله المؤمنون؟، والحكمة بادية من هذا القيد فيدخل فيه قدرة المملوك على دفع النجوم، وحسن سلوكه ورشده وقدرته على تدبير أموره بحيث إذا حرر لا يفسد حاله، وما قول المعترضين في قيد الرشد الموكول علمه إلى من بيده مال اليتيم؟، أفيقولون إن تسليمهم أموالهم حيث بلغوا وقد أنس منهم الرشد لا يجب لأن الله تعالى قيد الدفع بإيناس الرشد منهم فقال: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا (٦)﴾ [النساء: ٦]، أما التفصي من ذلك بأن الشرع لا يلزم أحدا بالخروج من ماله، ولأنه ليس في المال حق سوى الزكاة فليس بناهض، فإن الله مالك السموات والأرض وما فيهما.
وقد أثر عن عمر ﵁ ما يدل على أنه كان يرى وجوب المكاتبة، فعن أنس بن مالك قال: كان سيرين سأله المكاتبة فأبى عليه، فقال له عمر بن الخطاب:«والله لتكاتبنه، وتناوله بالدرة فكاتبه»، انتهى، وعن ابن عباس ﵄ أن عمر بن الخطاب كاتب مولى له يقال له أبو أمية، فجاءه بنجمه حين هل، فقال له عمر:«يا أبا أمية اذهب فاستعن به»، فقال: يا أمير المؤمنين لو كان هذا في آخر نجم»، فقال عمر:«لعلي لا أدركه»، انتهى، خاف أن يموت قبل إخراج الواجب، وعن ميمون بن جابان عن عمه عن جده قال: سألت عمر بن