من قول المؤلف «ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة عدم اللزوم، وقد استُدل على ما ذكره من الحيازة بما رواه مالك في الموطإ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: إن أبا بكر كان قد نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة فقلت: يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟، قال أبو بكر ذو بطن بنت خارجة أراها جارية»، قول عائشة نحلها يقال نحله إذا أعطاه والنحلة بكسر النون العطية بلا عوض، وقولها جذاذ عشرين وسقا تعني مقدار ما يحصل من جني ثمرته، والجذاذ القطع، وموضع الدليل منه قول أبي بكر ﵁:«فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك»، واحتاز الشيء مثل حازه، إذا ضمه إليه، وجذذتيه واحتزتيه بمد التاء فتولدت عنه الياء، وقد روى مالك (١٤٣٥) عن عمر أيضا ما يدل على اشتراط الحيازة في تمام الهبة، وقد رد ابن العربي الاستدلال بهذا الأثر ونحوه على اشتراط الحيازة في إمضاء الهبة فقال: «ولما رأى الناس أن عقد الهبة تبرع محض قالوا إنه لا يلزم إلا بالقبض، وإليه صغى أكثر الفقهاء، منهم الشافعي وأبو حنيفة، وعجبا لهم، من أين نزعوا لهذا الأصل، والهبة عقد من العقود ومبنى العقود على اللزوم، ومحلها القول، منه تكون، وبه تلزم، وقد بين الله ذلك في كتابه فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (١)﴾ [المائدة: ١]، وبعد أن أورد على نفسه الاحتجاج بأثر أبي بكر قال:«كيف تعلقتم بهذا في هذا الأصل العظيم وهو قول واحد من الصحابة»؟، انتهى، وقد علمت مما تقدم أن الهبة لازمة بالقول أو الفعل، والحيازة تمام لها.
وقد يؤخذ من أثر أبي بكر أمر آخر وهو تفضيل بعض الأولاد على بعض، وقد روى مالك في موطئه قبله حديث النعمان بن بشير ﵁ أنه قال: إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله ﷺ فقال: «إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي»، فقال رسول الله ﷺ:«أكل ولدك نحلته مثل هذا»؟، فقال:«لا»، فقال رسول الله ﷺ:«فارتجعه»، انتهى، وقد حمل مالك ﵀ هذا