للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقال بامتناع الالتقاط إن أمن الضياع إلا إذا كان المالك معروفا، ويمتنع أيضا إن علم أن المالك قد وضعه حيث هو لموجب، ويجب الالتقاط إن خيف على المال الخيانة، لكنه لا يضمن إن لم يلتقطه، ولا فرق في المذهب بين اللقطة في الحرم وغيرها إلا من حيث لزوم تعريف الأخيرة أبدا، إذ لا تحل لملتقطها، فأما حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله نهى عن لقطة الحاج»، رواه أحمد ومسلم وأبو داود، فقد تأولوه على معنى ترك التعريف بها لما جاء في قوله عن مكة: «لا تحل لقطتها إلا لمنشد».

أما تعريف اللقطة فهو واجب، فلو تراخى في التعريف حتى تلفت، ثم جاء ربها فإنه يضمنها، ويكون التعريف سَنَةً لحديث زيد بن خالد الجهني قال: جاء رجل إلى النبي فسأله عن اللقطة، فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»، قال: «فضالة الغنم يا رسول الله؟، قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»، قال: «فضالة الإبل؟، قال: «مالك ولها؟، معها سقاؤها وحذاؤها تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»، رواه مالك (١٤٤٠) والشيخان (م/ ١٧٢٢)، والعفاص هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك من العفص وهو الثني والعطف، وبه سمي الجلد الذي يجعل على رأس القارورة، كذا في النهاية، والوكاء بكسر الواو الخيط الذي يشد به الوعاء، وإنما أمره بمعرفة وكائها وعفاصها ليسأل مدعيها عنهما إن جاء يطلبها، ولأنه لا ينبغي أن يظهرها حال التعريف، ولا يحملها كي لا تضيع، والذي يقوم بالتعريف الملتقط نفسه، فإن كان ممن ليس من شأنه ذلك فمن يوكله ولو بأجرة من اللقطة، ويكون التعريف في الموضع الذي يرجو أن يكون صاحبها فيه أو يطلبها فيه أو يبلغه الخبر منه، فإن التقطت في قرى أهل الكفر فالأفضل تسليمها لمقدميهم من الأحبار والرهبان، قال خليل: «وتعريفها سنة بمظان طلبها كأبواب المساجد والأسواق»، انتهى، والظاهر أن الإخبار بذلك في إعلان معلق بمداخل المساجد والمحلات والأسواق مما يعين على التعريف.

واعلم أن أهل المذهب قد بينوا أن ليس كل ما يلتقط يجب تعريفه سنة، فالذي يعَرف على النحو المتقدم هو ما كان له بال، أما ما كان نحو الدلو والمخلاة والدراهم

<<  <  ج: ص:  >  >>