الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورَجُلٌ قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار»، رواه أصحاب السنن عن بريدة ﵁، والقاضي الذي في الجنة بالقيد الذي في الحديث لا وجود له في غالب دول المسلمين اليوم.
والذي يجوز قضاؤه هو المسلم الذكر الحر البالغ العاقل العدل، واختلف في اشتراط الاجتهاد، وهذا هو الأصل لو كان ذلك ممكنا، لكنه قد يتعذر مع كثرة المحاكم، فيمكن أن يقوم مقامه توحيد الأحكام في الجملة، وقد أبى ذلك بعض أهل العلم بحجة أنه طريق إلى الحكم بغير ما أنزل الله، والذي أعلمه أن من جملة أسباب الحكم بغير ما أنزل الله عدم وجود أحكام مقننة ميسورة في متناول القضاة فأعجبوا بما عليه الغربيون، والذي ينبغي هو وجود هيئة للقضاء فيها المجتهدون.
وقد اختلف في قضاء المرأة، والظاهر أن القضاء من الأمور العامة فيصدق عليه قول رسول الله ﷺ:«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، رواه البخاري عن أبي بكرة، وترجم عليه النسائي بقوله:«النهي عن استعمال النساء في الحكم»، ومن العجب أن يرد بعض المحسوبين على العلم هذا الحديث بتضعيفه، وهو في صحيح البخاري، ثم بضرب الأمثال له، وهو أن بعض الدول تولت النساءُ الحكمَ فيهن كدولة اليهود وبريطانيا وجزيرة سرنديب وقادتهم إلى النصر، وكأن هذا القائل يرى الفلاح المنفي عن الناس الذين تتولى أمرهم امرأة في هذا النصر الذي زعمه، ورأى مالك ﵀ أن المصر الواحد لا يكون فيه إلا قاض واحد، وقد يقال إن هذا ناتج عن كونه يشترط فيه الاجتهاد، لأنه مع تعدد القضاة في المدينة الواحدة يحصل الاختلاف في الحكم الواحد فيؤدي إلى الاضطراب، والذي يصلح للدول في هذا العصر أن تتوحد الأحكام في أمهات المسائل وتقنن انطلاقا من الأدلة الشرعية لتكون مرجعا للقاضي مع ترك مجال للنظر في الأمور التي تقبل ذلك، وقد سهل هذا المنحى في هذا العصر كون كل العقوبات تقريبا هي السجن والغرامات على خلاف الشرع، وهي أمور يسهل بيان حد أعلى لها وحد أدنى يجتهد داخله القاضي، ولايعني هذا أني أوافق على عقوبة الناس بغير ماشرع الله.