وعامة أحكام هذا الباب مردها إلى نصوص الكتاب والسنة والإجماع، وقد يدخلها القياس الأولوي، وقد وجدت أن باب الفرائض أكثر الأبواب ذكرا للإجماع عند ابن المنذر بعد باب الحج، إذ بلغت الإجماعات فيه أزيد من خمسين، وبلغت الإجماعات والاتفاقات التي أثبتها ابن حزم في مراتب الإجماع في هذا الباب أزيد من مائة، وهو دليل على ما ذكرت، وأن القياس في الفرائض قليل بالنسبة لغيره، وقد ذكر البخاري تعليقا في باب تعليم الفرائض قول عقبة بن عامر ﵁:«تعلموا قبل الظانين»، يعني الذين يتكلمون بالظن»، انتهى، قال الحافظ:«فيه إشعار بأن أهل ذلك العصر كانوا يقفون عند النصوص ولا يتجاوزونها، وإن نقل عن بعضهم الفتوى بالرأي فهو قليل بالنسبة، وفيه إنذار بوقوع ما حصل من كثرة القائلين بالرأي، وقيل مراده قبل اندراس العلم، وحدوث من يتكلم بمقتضى ظنه، غير مستند إلى علم، وقال، قال ابن المنير: وإنما خص البخاري قول عقبة بالفرائض لأنها أدخل فيه من غيرها، لأن الفرائض الغالب فيها التعبد وانحسام وجوه الرأي، والخوض فيها بالرأي لا انضباط له، بخلاف غيرها من أبواب العلم فإن للرأي فيها مجالا، والانضباط فيه ممكن غالبا»، انتهى، وقال الفاكهاني:«وعلم الفرائض أجل العلوم خطرا، وأعظمها قدرا وأجرا، وهو من العلوم القرآنية والصناعة الربانية»، انتهى ببعض تصرف.
وقد جاء في الحض على تعلم الفرائض أحاديث منها ما رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال:«تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما»، قال الحافظ:«رواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي اختلافا كثيرا،،،»، انتهى، وقال الترمذي:«هذا حديث فيه اضطراب»، انتهى، وروى البيهقي عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع الكبل في رجلي يعلمني القرآن والفرائض»، الكبل بفتح الكاف وكسرها وسكون الباء هو القيد، وروى أبو داود والدارقطني وابن ماجة في المقدمة والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال:«العلم ثلاثة وما سوى ذلك ففضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة»،