للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾

[البقرة: ٤٨].

ومنها ما ينفيها بقيد عدم الإذن، وعدم الارتضاء، فمفهوم ذلك أنها حاصلة للموحدين مع الإذن، وعمّن رضي الله أن يشفع لهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣)]، وقال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨]، وهذا فيه دليل على شفاعة الملائكة.

ومنها ما يقصرها على الموحدين: إما المشفوع لهم وإما الشافعون، وكل منهما يشترط فيه ذلك بلا شك، قال تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)[الزخرف: ٨٦]

والشفاعة الانضمام إلى الآخر لتقوية جانبه، والتوسط له لدى المشفوع عنده، وأكثر ما تستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، فكأن الشافع يضم رجاءه إلى رجاء المشفوع له فيما يرغب فيه.

وقد رغب الله تعالى في الشفاعة الحسنة في الدنيا ورهب من الشفاعة السيئة فقال: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾

[النساء: ٨٥].

لكن الشفاعة في الدنيا قد لا تتوقف على إذن المشفوع عنده فيها، ولا على كون المشفوع له مستحقا لها، وقد لا تتوقف على كون الشافع مرضيا، لهذا والله أعلم بين الله تعالى أن الأمر في الآخرة ليس على ما اعتاد الناس، لأن المشركين منهم من كان يقيس شفاعة الآخرة على شفاعة الدنيا، لذلك جاءت قيود الإذن، والارتضاء، وقصرها على الموحدين، أما نفيها مطلقا فجاء باعتبار ما اعتادوا.

ومن الآيات التي فيها بيان حال منتظري الشفاعة، من الشافعين والمشفوع لهم قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣)]، قال الزمخشري: «فإن قلت: بم اتصل قوله: «حتى إذا فزع عن قلوبهم»؟، ولأي شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>