وهو الإقلال الذي خرج بسببه فيما بعد من بغداد، وقال أبياتا في ذلك مشهورة، فلما بلغته عطيته قال: هذا رجل وجبت علي مكافأته، فكان ذلك سبب شرحه رسالته كما سيأتي ذكره إن شاء الله.
وقد شكّك الذهبي في هذا الأمر على اعتبار أن القاضي عبد الوهاب لم يشتهر إلا بعد وفاة ابن أبي زيد سنة (٣٨٦ هـ)، لكن ذكر صاحب شجرة النور الزكية أن القاضي ولد سنة (٣٦٣ هـ)، فإذا صح هذا تبين عدم وجاهة اعتراض الذهبي ﵀، فإن الأمر غير مستبعد بالنظر إلى ظهور النجابة على كثير من الناس في سن مبكرة كما ستعلم من تاريخ تأليف ابن أبي زيد للرسالة، ومن السن الذي انتصب فيه مالك للفتوى، وقد كان عمر القاضي عبد الوهاب حين وفاة ابن أبي زيد ثلاثا وعشرين سنة، وقال القاضي عياض: «ورأيت في بعض التواريخ أن سنه (يعني القاضي عبد الوهاب) كان حين مات ثلاثا وسبعين سنة»، انتهى، وإذا صح هذا كان سنه حين وفاة ابن أبي زيد أكثر مما ذكرنا لأنه توفي سنة (٤٢٢ هـ)، على أن القاضي عبد الوهاب كثيرا ما يقول عن ابن أبي زيد شيخنا، ولعله يعني أنه شيخه بالمكاتبة.
ومما تميز به أيضا كراهيته للجدال، قال الذهبي في ترجمته كان «على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام ولا يتأول»، وهو ما بينه ابن أبي زيد في رسالته هذه ذاكرا منهج المسلم الذي يتعين سلوكه، قال:«واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدين، وترك كل ما أحدثه المُحْدِثُون»، وقال في ختام عقيدته عاطفا على ما هو مطلوب:«وترك المراء والجدال في الدين».
وقد ألف كتابا في النهي عن الجدال، لكنه لما احتاج إليه انبرى للرد على المبتدعة فألف كتابا في الرد على القدرية، وله كتاب مناقضة رسالة البغدادي المعتزلي، وكتاب الاستظهار في الرد على البكرية، ولعل القاضي عبد الوهاب قد أشار إلى بعض هذه الكتب التي رد فيها ابن أبي زيد على منكري النبوات ومتأولي الصفات في قوله: «وقد استوفاه شيخنا ﵀ في كتبه، وأشبع القول فيه، وإنما القصد من الكلام في شرح هذه المقدمات بيان