المحكمة هي مخالفة الكفار والمشركين، فالأولى أن يصام التاسع مع العاشر، وقال العلماء صوم عاشوراء على ثلاث مراتب: صوم العاشر وحده، وخير منه صومه مع التاسع، وخير من ذلك صومهما مع الحادي عشر لقطع الصلة بمن كانوا يصومونه حتى يكون الناس على شريعة محمد ﷺ الباقية المحكمة، وهي المفاصلة بينهم وبين الكفار، وجاء في فضل صومه قول رسول الله ﷺ:«صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية»، رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي قتادة، وقد روى الطبراني عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال:«إن عشت إن شاء الله إلى قابل صُمت التاسع مخافة أن يفوتني يوم عاشوراء»، ولينظر وجه التعليل بخشية الفوات، فهل له صلة بمعنى لفظ عاشوراء هل هو التاسع أو العاشر؟، قلت: هو مستبعد، بل هو عندي المسارعة إلى فعل البر خوف اخترام المنية المرء ولا ينافي ذلك القصد إلى مخالفة اليهود.
أما رجب فقد جاءت في صومه بخصوصه أحاديث لم تثبت، لكنه يدل على فضيلة الصوم فيه الأدلة العامة على التطوع بالصيام من غير تقييد بزمن، ولأنه من جملة الأشهر الحرم التي ورد فيها ما جاء عن رسول الله ﷺ أنه قال:«صم من الحُرُم واترك»، وهو في سنن أبي داود عن الباهلي، وهو في سن النسائي وابن ماجة، وفيه دليل على عدم إكمال الشهر صياما، ويدل على مشروعية الصوم في رجب أيضا التقرير الذي في قوله ﷺ عن شعبان:«ذاك شهر بين رجب ورمضان يغفل الناس عنه»، أشار إليه الشوكاني في نيل الأوطار، وموضع الاستدلال منه ذكر غفلة الناس عن شعبان واقتران رجب برمضان فيما لا يغفلون عنه، والذي لا يغفل عنه في رمضان الصيام فكذلك رجب، فالبيان المذكور ليس لتحديد موضع شعبان من السنة، وورد في المحرم بخصوصه قوله ﷺ:«أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»، رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة.
أما شعبان فقد صح أن النبي ﷺ كان يصومه كله، وإلا قليلا، روى أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن أم سلمة أن النبي ﷺ لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان».