للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن» (١)، كما ورد أن صحائف الأعمال قد توزن، ويدل عليه حديث البطاقة، وفيه: «فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة» (٢)، ولا مانع من هذا وهذا، بل لا مانع من وزن الناس أنفسهم إذا ثبت، وهو ظاهر في قوله تعالى ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥]، وهناك حديث ظاهر في هذا المعنى وهو أن ابن مسعود كان يَجْنِي سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلتِ الريح تكفوه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله :» مم تضحكون؟»، قالوا: «من دقة ساقيه» فقال: «والذي نفسي بيده لَهُما أثقل في الميزان من أُحد» (٣).

كما ورد أن للميزان كفتين، والصواب: أنه ميزان واحد، قال الحافظ: «ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله، فإن أحوال القيامة لا تكيف بأحوال الدنيا»، انتهى.

ويدل على سعة الميزان قول النبي : «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟، فيقول: لمن شئت من خلقي»، فتقول: «سبحانك ما عبدناك حق عبادتك،،،» الحديث (٤).

وقال الحافظ شارحا قول البخاري: «وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن»: وظاهره التعميم، لكن خص منه طائفتان، فمن الكفار من لا ذنب له إلا الكفر ولم يعمل حسنة فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان، ومن المؤمنين من لا سيئة له، وله حسنات كثيرة زائدة على محض الإيمان، فهذا يدخل الجنة بغير حساب كما في قصة السبعين ألفا، ومن شاء الله أن يلحقه بهم، وهم الذين يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح وكأجاويد الخيل، ومن عدا هذين من الكفار والمؤمنين يحاسبون وتعرض أعمالهم على الموازين»، انتهى، لكن هذا الاستثناء متوقف على الدليل، والله أعلم.

واعلم أنه كثيرا ما قيل يستثنى من كذا كذا، أو يلحق كذا بكذا، وما أبعد القياس عن


(١) رواه أبو داود والترمذي عن ابي الدرداء.
(٢) رواه الترمذي (٢٦٣٩) وقال حسن غريب.
(٣) رواه أحمد (٣٩٩١) وحسنه الألباني في تخريج الطحاوية.
(٤) رواه الحاكم عن سلمان، وهو في «الصحيحة» للألباني برقم (٩٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>