السباع فأكله حرام»، أما آية سورة المائدة فتخصص بسياقها، وسياقها الرد على من كانوا يحرمون أشياء من بهيمة الأنعام وهي الأزواج الثمانية المذكورة قبلها، وقد يقال إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا حق، لكن التخصيص بالسياق حق أيضا، وقد قال به أهل العلم المحققون، وسبق ذكر شيء منه في باب الصوم، وفي البيوع عند ذكر اختلاف أهل العلم في علة الربا، يضاف إلى هذا أن الآية فيها عموم التحليل والنص على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير وغيرهما مقدم عليه، ثم إن حديث التحريم متأخر عن آية سورة الأنعام، لأنها مكية بالإجماع، والسنة تنفرد بالتشريع، فما حرم رسول الله ﷺ مثل ما حرم الله كما جاء في ذلك في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن المقدام، وقد أشار مالك إلى ذلك في قوله الذي في كتاب ابن المواز وقد ذكرته من قبل:«السبع والنمر والفهد محرمة بالسنة،،،»، انتهى، وقد حاول الباجي الجمع بين الآية والحديث بتأويله على أوجه، منها أنه لما كان قتل السباع غير محرم على المحرم بحج أو عمرة فربما ظن أنها يجوز أكلها فخصت بنهي المحرم عنها، ومنها حمل الحديث على الأغلب من أحوال هذه السباع وهو الميتة منها، لأنها في الغالب لا يتمكن منها إلا ميتة، وليس هذا إلا تعسفا في التأويل، لكنه ﵀ بعد كل هذا قال:«ورواية من روى عن مالك التحريم أظهر لحديث أبي هريرة، فإنه نص في التحريم، ف ﵀ وسائر علماء المسلمين الناصحين.
وعلى القول بالتحريم وهو الحق فإن الضبع مستثنى من ذلك لورود النص بحله، فقد روى الترمذي عن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر: «الضبع أصيد هي»؟، قال:«نعم»، قال:«قلت آكلها»؟، قال:«نعم»، قال:«قلت أقاله رسول الله ﷺ»؟، قال:«نعم»، ورواه ابن ماجة عنه قال، قال رسول الله ﷺ:«في الضبع يصيبه المحرم كبش، وجعله من الصيد»، وهذا من المشكلات عندي، ولكن حيث ثبت النص لزم التسليم والأخذ به، فإن الذكر فوق الفكر، أما ذو المخلب من الطير فسيأتي الحديث عليه.