قالوا ولا يشرع صلة غير المؤمنين من الأقارب فإن الله تعالى إنما أمر ببر الوالدين ولو كافرين، وقال: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (٢٢)﴾ [المجادلة: ٢٢]، قلت في هذا نظر فإن الظاهر من الآية المتقدمة نفي اجتماع الإيمان مع موادة من حاد الله ورسوله، والمحادة وإن كانت صادقة بمطلق الكفر إلا أن المراد بها هنا المحاربون لله ولرسوله المجاهرون بالعداوة والبغضاء بدليل النصوص الأخرى، أما أهل الذمة من الكفار فيختلفون عن ذلك، والله إنما نهانا عن صلة المحاربين ولم ينهنا عن البر والإقساط إلى من ليسوا كذلك من الكفار، وقد كان المسلمون جارين على اليسر والسهولة وحمل الأقوال على الصدق في معاملة غيرهم من الكفار، فأرشدهم الله تعالى إلى الحدود التي ينبغي أن يقفوا عندها حتى لا يضر ذلك بمصالح أمتهم وبَيَّنَ لهم الله تعالى موجب ذلك التحفظ من الصفات التي كان عليها أعداؤهم، ولهذا فإذا لم يوجد شيء من تلك الصفات التي جاءت كالتعليل للنهي فالأصل المعاملة بالحسنى، قال الله تعال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١١٩) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)﴾ [آل عمران: ١١٨ - ١٢٠]، وقد جوز الشرع الزواج من الكفار الكتابيات من غير فرق بين قريب وبعيد وشرع التعامل معهم، وعاد النبي ﷺ غلاما يهوديا وعرض عليه الإسلام فأسلم، فكيف بمن كان منهم من الأقارب؟، قال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان:«وشرط عمر ﵁ ضيافة من مر بهم من المسلمين، وقال: أطعموهم مما تأكلون، وقد أحل الله ﷿ ذلك في كتابه، ولما قدم عمر ﵁ الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال: «أين هو»؟، قالوا:«في الكنيسة»، فكره دخولها، وقال لعلي ﵁:«اذهب بالناس»، فذهب علي بالمسلمين، فدخلوا وأكلوا،