كان راكبا، فجعلت الناقة تحركه وتُنَزيه فحدث الترجيع في صوته»، انتهى.
وقول المؤلف:«كترجيع الغناء»، كأن فيه إشارة إلى الفرق بين الترجيع الذي جاء عن النبي ﷺ في حديث عبد الله بن مغفل في صحيح البخاري، والذي أوله ابن الأثير بما رأيت، وترجيع الغناء المذموم، فالأول معناه قدر زائد على الترتيل، والثاني التمطيط والزيادة في الحرف وتكريره، قال ابن أبي جمرة:«معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة»، انتهى بالنقل عن فتح الباري.
وقوله:«وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار»، أي ينزهه أن يتلى في حالة غير مرضية كالاضطراب والاهتزاز حال تلاوته كما يفعل بعض الذين يحفظون، ومن ذلك تلاوته على من لا يستمع إليه كما يجري عندنا في الجنائز، وإن كانت قراءة القرآن فيها مخالفة أخرى، وأخذ الأجرة عليها مخالفة ثالثة، والاجتماع في الجنائز مخالفة رابعة، وقراءة القرآن جماعة مخالفة خامسة، ومن ذلك أن تذاع تلاوة القرآن بمكبرات الصوت من المساجد فتزول بذلك هيبته من النفوس إذ لا يتمكن الناس في أسواقهم وخلال معاملاتهم من الاستماع إليه فيفوت الغرض من قراءته، وقد قال الله تعالى عنها: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)﴾ [الأعراف: ٢٠٤]، ويحصل به التشويش على المصلين، والحال أن المصلي يناجي ربه.
وقوله:«وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه»، هذا يستدعي ترك قراءة القرآن بالتطريب المختلف فيه لأن القارئ غير موقن بمشروعيته، وكذا قراءته على الأموات، لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ من فعله، وخير الهدي هديه، وحديث قراءة يس على الموتى مختلف في صحته، ودلالته لا تتعدى وقت الاحتضار لو قيل بثبوته، ومن اللازم أن لا يقرأ القرآن إلا طاهرا من الحدث الأكبر، ويفضل تحصيل الطهارة الصغرى، واستقبال القبلة، وجمع الذهن وتفريغ البال للتفهم والتدبر والاتعاظ.
وقوله ﵀:«مع إحضار الفهم لذلك»، هذا هو المقصود من التلاوة وهو تدبر القارئ ما يقرأ وتمعنه فيه، قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا