وهذا مبني على اعتقاده أن السيراء هي ما كان من حرير مع غيره، وقد بين الحافظ أنها يراد بها هذا، ويراد بها ما كان من الحرير خالصا، فرجع الأمر في الخز إلى أن ما كان منه من الحرير الخالص ممنوع، ويدل عليه ما جاء في حديث «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف … ، وقد تقدم، وقد اختلف في كلمة الحر فوردت بالحاء المهملة، وبالخاء المعجمة مع الزاي، والصواب الأول في الرواية، أما ما كان مخلوطا بغيره فهو الذي فيه الخلاف، فيكون ترك ما خالطه الحرير أولى من لبسه، وقد وجدت صاحب النهاية يذكر هذا الذي كان يقع لي في لبس الخز، قال: «الخز المعروف ثياب تنسج من صوف وإبريسم، وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون، فيكون النهي عنها للتشبه بالعجم وزي المترفين، وإن أريد بالخز النوع الآخر، وهو المعروف الآن فهو حرام، لأن جميعه معمول من الإبريسم»، انتهى، وبهذا يجتمع العمل بالأخبار جميعها، والله أعلم.
وقوله:«وكذلك العَلَم من الحرير إلا الخط الرقيق»، يعني أن هذا مما اختلف في حكمه، فقيل مكروه، وقيل جائز، ما لم يَقِلْ جدا فيكون كالخيط الرقيق لتفاهته، وهذه العبارة جاءت في كلام ابن القاسم في المجموعة قال:«ولم يجز مالك من عَلَم الحرير في الثوب إلا الخيط الرقيق»، انتهى، وبهذا يعرف ما في كلام الغماري في المسالك عن هذه العبارة، فمالك تمسك في هذه الرواية بعموم المنع في الحديث المتقدم، ولهذا ذكر المؤلف العَلَم في جملة ما اختلف فيه، لكن جاء ما يخصص العموم، فيجوز الشيء اليسير من الحرير في الثوب من تطريف وتطريز، وهو ما لا يتجاوز قدر أربعة أصابع كما في حديث مسلم عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب خطب فقال:«نهى رسول الله ﷺ عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة»، وجاء في صحيح البخاري عنه قدر أصبعين، وفي رواية أبي داود مثل ما في صحيح مسلم، ولا تنافي بين هذه الروايات، فإن الأمر تقريب لا تحديد، فيكون الاحتياط في الاقتصار على الأقل، وتمتنع الزيادة على الأكثر، والله أعلم.