للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)[الحجرات: ٩ - ١٠]، فشمل الطائفتين المتقاتلتين بوصف الإيمان، مع أن الغالب أن تكون إحداهما باغية معتدية، وأمر بالإصلاح بينهما، ثم أمر بقتال الباغية، وأثبت مع ذلك للجميع الأخوة في الدين.

والأجود التعبير الذي في العقيدة الواسطية وهو قوله: «لا يكفرون مسلما بمطلق الذنب»، وذلك لاختلافهم في تكفير تارك الصلاة عمدا من غير جحود، لكن حسب من تركها اختلاف المسلمين في كونه مسلما، وجمهور العلماء على عدم تكفيره بمجرد الترك، بل اعتبروه فاسقا، وظاهر معظم النصوص مع قول من كفره، منها قول النبي : «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (١)، وروى الترمذي أيضا عن شقيق العقيلي قال: «كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة».

ومن حجج الذين لا يكفرون من تعمد ترك الصلاة قول النبي : «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، فإن شاء عذبه، وإن شاءأدخله الجنة» (٢).

وثبت أن الله تعالى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، بل ومن لم يعمل خيرا قط من الموحدين وقد تقدم، ومن المعلوم أن الكفار يخلدون في النار بالإجماع، فدل هذا الحديث على المقصود.

وقد اعتبر المعتزلة مرتكب الكبيرة في المنزلة بين المنزلتين، فلا هو بالمؤمن ولا هو بالكافر في الدنيا، ومع ذلك فهو عندهم مخلد في النار في الآخرة، وهكذا الخوارج، وقد جاء التحذير الشديد والوعيد الأكيد لمن كفر مسلما، ومن ذلك قول النبي : «من قال لأخيه ياكافر فقد باء بها أحدهما» (٣).


(١) رواه أحمد (٢٢٩٣٧) والترمذي (٢٦٢١) عن بريدة وحسنه.
(٢) رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبادة بن الصامت.
(٣) متفق عليه: البخاري (٥٧٥٣)، ومسلم (٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>