وجاء ما يدلّ على تكرير التسمية على الشراب الذي يقطعه المرء في أنفاس ثلاث مرات، وروى أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي ﷺ يقول:«إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإن لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء»، وذكر الله هنا مجمل قد بين في غير هذا الحديث، ويحتمل أن يدخل فيه حمد الله بعد الأكل فيكون مانعا من أكل الشيطان، والله أعلم، ومن ذلك حديث عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ﷺ قال: كنت غلاما في حجر النبي ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي:«يا غلام، سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك»، رواه أحمد والشيخان، قوله تطيش، أي تجول في نواحي الصحفة، وهي بالصاد والحاء وزن القصعة غير أنها أكبر منها.
أما حمد الله تعالى بعد الأكل فقد روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس أن النبي ﷺ قال:«إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها»، والأكلة والشربة بفتح الأول فيهما هي الواحدة منهما، وبضمهما ما يؤكل ويشرب، والظاهر أنه إن قال الحمد لله فقط كفاه، والأولى له أن يتجاوز الحمد المطلق إلى المقيد أعني الذي فيه وصف الله بما وصفه به نبيه في هذا المقام، ومن ذلك أنه ﷺ كان إذا رفع مائدته قال:«الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا»، رواه البخاري عن أبي أمامة، غير مكفي، غير محتاج لأحد، بل هو الصمد المحتاج إليه، ولا مودع، ولا متروك الطاعة، ومما يقوله قبل ذلك، ويحتمل أن يكون على ظاهره بحيث يقوله بعد الأكل ما جاء في حديث ابن عباس ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ:«إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: اللهم باركنا لنا فيه، وأبدلنا خيرا منه، وإذا شرب لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وروى أبو داود والنسائي وابن حبان عن أبي أيوب أن رسول الله ﷺ كان إذا أكل أو شرب قال:«الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا»، وسوغه سهل مروره إلى المعدة، وجعل له مخرجا لأن خروجه يندفع به الأذى