منه رد النبي ﷺ على المخطئ في صلاته إذ قال:«وعليك السلام»، وهو في الصحيح وغيره، وقد تقدم دليل الرد بأن يقول سلام عليكم بالتنكير، ولعل هذا هو مراد المؤلف بقوله أو يقول سلام عليكم كما قيل له»، يريد كما قيل له في الجملة، فإنه لا يلزم أن يكون المشبه موافقا للمشبه به من كل وجه، أو يريد أنه يجوز أن يقول المبتدئ سلام عليكم، فيرد عليه بالمثل، وأيا ما كان فكلامه غير متضارب، كما هو قول الشيخ الغماري في مسالك الدلالة:«هذا كلام غير مستقيم المعنى كما هو ظاهر،،»، ثم بَيَّنَ وجه عدم استقامة كلامه بافتراضات ثلاثة قدرها لا يلزم المؤلف منها شيء.
قالوا ولا يقول في إلقاء السلام وعليكم السلام، وذهب ابن رشد إلى أنه يجوز أن يكون البدء بصيغة الرد، والرد بصيغة البدء، يعني فيقول الممبتدئ: عليكم السلام، ويقول الراد: السلام عليكم، ومما قيل هنا إنه لا يكتفى في الرد بما يجوز في اللغة من حذف المبتدإ فيقول:«وعليكم»، ولا بالمبتدإ للعلم بالخبر فيقول:«السلام».
قلت: قد جاء في الأثر الاكتفاء بعليكم في الرد، ولا ريب أن إكمال الجملة أكمل، لاسيما وأن الرد على الكفار يكون بقوله «وعليكم»، وقد روى أبو داود والترمذي عن أبي جري جابر بن سليم قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال:«لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى»، يريد النبي ﷺ ما كان شائعا عند الجاهلية يؤبنون الموتى به، فهو إخبار عن الواقع لا عن الشرع لما يخشى أن يتطرق ذلك الهاجس إلى لسان القائل فيقصده كما في قول النبي ﷺ:«السيد الله»، للذين قالوا له «أنت سيدنا»، مع أنه سيد ولد آدم، وإنما قال ذلك لما خشيه من الإطراء الذي نهى عنه ثم لما قد يظنونه أن سيادته كسيادة الزعيم فيهم تمنح وتنزع، فليس المراد أن ذلك شرع ينبغي أن يلتزم بدليل تسليمه ﷺ على الموتى بمثل ما يسلم به على الأحياء، فقد علم عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن تقول «السلام على أهل الديار من المؤمنين»، وقال هو ذلك أيضا كما رواه مسلم عن أبي هريرة، فدل على أن التسليم لا يختلف فيه الأحياء عن الأموات، والله أعلم.