للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الخوض في صلة مشيئة ربنا الكونية العامة التي لا يخرج عنها شيء من أفعال المخلوقات بمشيئة المخلوقات التي بمقتضاها كان التكليف، وكذلك النجوم لا نمسك عن كل العلوم المتعلقة بها، بل بخصوص ما يرجع منها إلى استعمالها في معرفة الغيب، وروى أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس عن النبي أنه قال: «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد»، قال الخطابي في معالم السنن: «علم النجوم المنهي عنه هو ما يدل عليه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث، التي لم تقع كمجيء الأمطار وتغيير الأسعار، وأما ما يعلم به أوقات الصلاة، وجهة القبلة فغير داخل فيما نهي عنه»، انتهى.

قلت: قد تغير الأمر بالنسبة لنزول الأمطار فإن علم المناخ قد تقدم كثيرا، وصارت الصور الجوية التي تلتقطها الأقمار السابحة في الفضاء يعرف به اتجاه الرياح، ودرجة الضغط الجوي مما يتمكن معه الخبراء من توقع نزول المطر في وقت ما، فهذا العلم يستند إلى أمور حسية معرفية لا غيبية، وإلا فإن علم النجوم مما وراء ذلك من علوم الحياة التي يتعين على المسلمين امتلاك ناصيتها للاستفادة منها، وقال البغوي في شرح السنة: «المنهي من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع وربما تقع في مستقبل الزمان، مثل إخبارهم بوقت هبوب الرياح، ومجيء ماء المطر، ووقوع الثلج، وظهور الحر والبرد وتغيير الأسعار ونحوها، ويزعمون أنهم يستدركون معرفتها بسير الكواكب، واجتماعها وافتراقها، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره،،،»، انتهى، والأمثلة التي ذكرها مما كان يستند في معرفته إلى النجوم صار يستند في معرفته إلى علوم كونية دقيقة، فلا ضير في الإخبار بها، لوجود الوسائل إلى معرفتها في الجملة، وقد تتخلف، ومن ذلك ما ذكره علي العدوي من الاعتماد على حركة النجوم لمعرفة وقت الكسوف والخسوف، ووجود الهلال في الأفق بعد الغروب، ونحو ذلك، فإن إثبات شيء من ذلك أو نفيه ليس من علم الغيب الممنوع وقصارى الأمر أن نقول إننا لا نصوم ولا نفطر بالاعتماد على ذلك بل نعتمد على الرؤية، أو نكمل الشهر ثلاثين، وكذلك معرفة وقت نزول المطر في الجملة بالوسائل العلمية لا تنافي قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>