حاكما، فأحرق بعض الناس نسخا منها في ساحة بابا علي بمعسكر طاعة للمفتي، وما قدره الله هو الذي يكون، وما دفعني إلى كتابة هذا إلا حبي للعلم وأهله، فعسى أن يحشرني الله في زمرتهم، أنا أحبهم وإن كنت لا أدانيهم، وقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال:«يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم»؟، فقال رسول الله ﷺ:«المرء مع من أحب»، رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود ﵁، وإذا أمد الله في العمر فسأتدارك في طبعة مقبلة إن شاء الله ما قد يكون في هذا السِّفْر من أخطاء، وما ذهب إليه وهلي فيه من أوهام، وما لاحظته في مواضع منه من عدم الترتيب، لطبيعة المصنف الذي أشرحه بما فيه من التكرار.
وإني أشكر إخواني الذين قرؤوا الكتاب، فذكروا من استفادتهم منه ما شجعني، وغضوا أعينهم عن نقصه والخلل الذي فيه، لما فطروا عليه من الخير الذي هو عادة، ووقاهم الله تتبع النقائص وهو من الشر الذي هو لجاجة، وكل إناء ينضح بما فيه، مع أن بعضهم نبهني إلى ما وقف عليه مما فاتني، فجزاهم الله خيرا.
ثم إني أذكر والدي الذي جعله الله سببا في وجودي، ورباني بخلقه، وسلوكه، أكثر بكثير مما رباني بقوله، لم أسمع كثيرا من أمره ونهيه، أذكر أنه كان يوقظني في أثناء الليل آمرا إياي بتلاوة ما كنت قد حفظته من القرآن، وعمري دون العشر، فأستجيب له، حتى إذا علمت أنه قد نام نمت ثم يعود فيوقظني، وقد ذكر لي مرارا أنه رأى النبي ﷺ في منامه، وكان يستبشر بذلك ويكتمه، كما كان يذكر ما رآه في المنام عني فيفرح به، كان يؤولها أن محيطه الذي هو فيه وقد طال أمد إجدابه ستظهر فيه خضرة، والخضرة كيفما كانت في الفضاء المجدب تستحسن، وقد جلب إلى داره من المغرب الأقصى من تلقيت عنه بعض القرآن أنا وبعض إخواني ومن كان قريبا من الولدان، وقد كان محافظا على الصلاة وعلى الزكاة، صبورا وهو في البادية على الطهارة وإسباغ الوضوء على المكاره وقت البرد، غالب أحواله أن يراقب طلوع الفجر ولا يكتفي بالساعة، وقد كان لا يملكها يومئذ إلا القليل، سؤولا عما يحتاج إليه من دينه، عاملا بما يعلم منه، يحب أهل العلم وإن لم يكن منهم، وقد توفي بعد استعادة الاستقلال بأزيد من اثنتين وعشرين سنة فما رغب في الحصول على شهادة الجهاد، مع أنه عمل أزيد من خمس سنين في الثورة وسجن، وهدمت داره وديار إخوته، وسجنت أمي من بعده، وقد أطلق عليه الرصاص عن قرب أكثر من مرة في كمائن نصبت له حتى ظن جنود الكفار