الأمة قرونا، يوم كان العلم لا يطلب من أجل المعاش وحده، فتجده عند الفلاّح والتاجر والبزاز والخباز، وهو أمر أخذ به الكفار في هذا الزمان، وغفل عنه المسلمون الذين صدر عنهم، فأصبح العلم يطلب للمعاش.
قال ابن حزم ﵀ عن الأحاديث والآثار التي أوردها في المحلى بمناسبة كلامه على صلاة السفر:«ولم نورد إلا رواية مشهورة ظاهرة عند العلماء بالنقل، وفي الكتب المتداولة عند صبيان المحدثين، فكيف أهل العلم»؟، وقد نقل في أثناء كلامه على هذه المسألة عن مصنفي ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والبزار، فضلا عن صحيح مسلم وغيره.
وقال الشيخ شاكر ﵀ معلقا على قول ابن حزم السابق:«هذه الكتب التي كانت متداولة عند صبيان المحدثين في عصر ابن حزم القرن الخامس ومن أهمها مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، واختلاف العلماء لابن المنذر، صارت في عصرنا هذا، بل وقبله بقرون من النوادر الغالية التي لا يسمع اسمها إلا الخواص من كبار المطلعين على كتب السنة، وعامة المشتغلين بالحديث لا يعرفونها،،،»(١).
وقد ذكر ابن العربي قصة جديرة بالتدبر، يؤخذ منها أن الفاميين (الخبازين) في بغداد، إبان العصر العباسي كانوا يتناقشون في مسائل علمية عالية، لا يكاد يدركها في عصرنا بعض من ينسبون للعلم، ولأهمية القصة أثبتها على ما فيها من طول، قال: «كان أبو الفضل المراغي يقرأ بمدينة السلام، فكانت الكتب تأتي إليه من بلده، فيضعها في صندوق، ولا يقرأ منها واحدا مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه، أو يقطع به عن طلبه، فلما كان بعد خمسة أعوام، وقضى غرضا من الطلب، وعزم على الرحيل شد رحله، وأبرز كتبه، وأخرج تلك الرسائل، وقرأ منها ما لو أن واحدة منها قرأها في وقت وصولها ما تمكن بعدها من تحصيل حرف من العلم، فحمد الله تعالى، ورحل على دابته قماشه، وخرج إلى باب الحلبة طريق خرا سان، وتقدمه الكري بالدابة، وأقام هو على فامي يبتاع منه سفرته، فبينما هو يحاول ذلك معه إذ سمعه يقول لفامي آخر: «أي فل!، أما سمعت العالم يقول-يعني الواعظ-: إن