للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باختيار الناس كما يوهمه اللفظ، بل هو بفعل السيول والرياح ونحوهما، فإن هذا أمر لا يفعله العقلاء من غير المسلمين، فكيف يفعله المسلم، ولا سيما في بلد معروف بندرة المياه، وقد نهوا عن التخلي في الموارد ونحوها.

فإن قيل: فقد ثبت عن عبد الله بن عمر قال: «سمعت رسول الله وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» (١)، وعدم حمل الماء الخبث؛ معناه عدم التنجس، ومفهومه أن ما دون القلتين ينجس، ولو لم يتغير أحد أوصافه؛ فالجواب: أن الحديث دل على تنجس ما دون القلتين بالمفهوم، والذي قبله دل على عدم التنجس بالمنطوق، والمنطوق يقدم على المفهوم عند التعارض، وقد طعن ابن القيم في ثبوت هذا الحديث.

أما من قال من أهل المذهب إن استعمال هذا الماء مكروه إذا وجد غيره؛ فنعم، لأن المرء إذا تيسر له أن يفعل ما لاخلاف في إجزائه؛ كان ذلك أولى.

وفي النوادر قال أبو الفرج: «روى أبو مصعب عن مالك أن الماء كله طهور إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه، لنجس حل فيه، معينا كان أو غيره».

قال غير واحد من البغداديين: وهذا الأصل عند مالك، وما وقع له غير هذا فعلى الاستحباب والكراهة»، انتهى، وقد قدرت القلتان بنحو خمس قرب (٢)، وقدر ذلك أصحاب الشافعي بخمس مائة رطل، وهم الذين ذهبوا إلى التفصيل السابق، وتقديرهما بالمعايير الحالية نحو (١٨٠) لترا، والله أعلم.


(١) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة (د/ ٦٣) (ت/ ٦٧).
(٢) كما ذكره الترمذي (٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>