للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن العمل بلا نية لا يرفع ولا يصعد، فإن الذي يرفع من الأعمال؛ ما كان منها صالحا خالصا، قال تعالى: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، أما النية فقد تنفع بلا عمل، ولأن المؤمن يقوى على أن ينوي من الأعمال الصالحة التي لا قدرة له عليها، ما لا يقوى على الأعمال نفسها، فيؤجر على مجرد نيته.

وقد رتب الشارع النجاة من بعض العقوبات على تحديث النفس بالعمل الصالح إذا لم يستطعه المرء، والحكمة في ذلك تشوفه إليه، ورغبته فيه، والتحفز لفعله لولا المانع، كما في المريض والمسافر يكتب لهما ما كانا يفعلانه في حال الصحة والإقامة من النوافل، وقال النبي : «ما من امرئ تكون له صلاة بليل بغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة»، رواه مالك في الموطإ (٢٥٣) عن عائشة، وقد رتب الشرع الوعيد على خلو القلب من تمني بعض صالح الأعمال متى لم يستطعها المرء، إذ قال النبي : «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بغزو؛ مات على شعبة من النفاق» وسوى الله تعالى بين المجاهدين وبين القاعدين للعذر، وقد أخبر النبي في الحديث الصحيح عن الذين حبسهم العذر أن لهم من الثواب مثل من خرج للجهاد، وقال بعضهم في ذلك:

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد … سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وعن قدر … ومن أقام على عذر فقد راحا

أما أن عمل المنافق خير من نيته؛ فمعناه أنه ينتفع به الانتفاع العاجل بطلب الرياء والسمعة به، وحقن دمه، أو لأنه لو كان يفعل كل ما ينوي لأهلك الحرث والنسل، فهو ينوي شرورا كثيرة، ولا يتمكن من تنفيذها كلها، فعمله من هذه الحيثية خير من نيته.

إن لب العبادة أن يخلص المرء لله فيها، وأن يريد بها وجهه ، ويحتسب أجرها عنده، ولا يفعلها بحكم الاعتياد والمتابعة للناس، كما عليه كثير منهم، ولا رياء ينال بها جاها ورفعة وثناء منهم، ومن شأن من يعبد الله مستحضرا أنه مطيع له بعمله، منقاد لأمره، راج به ثوابه، متق به عقابه؛ أن يكون العمل خفيفا عليه، لا يشعر بالمشقة فيه، بل يستمرئه ويستحليه، ويستغرق فيه، ويسهل عليه إتقانه كما قال النبي : «إني أبيت عند ربي

<<  <  ج: ص:  >  >>