«لو قال ونهي لكان أولى،،، وليوافق لفظ الحديث»، وذكر الشيخ علي الصعيدي معلقا على قوله:«ثم يستنشق الماء بأنفه» أنه قال ذلك تبركا بلفظ الحديث، ففي مسلم «فليستنشق بمنخريه الماء»، وهو يرد بذلك على أبي الحسن الذي لم ير فائدة في ذكر الأنف، لأن الاستنشاق لا يكون بغيره.
لكن الشارح منهم قد لا يتفطن للباعث له على إيثار لفظ على آخر كقوله عاطفا على ما يترتب عليه زوال العقل الذي هو أحد أسباب ما يجب منه الوضوء:» أو تخبط جنون»، إذ قال علي الصعيدي: «المناسب حذف (تخبط)، لأن زوال العقل يكون بالجنون، والتخبط مصاحب لزوال العقل، لا أنه سبب له»، والذي يظهر أن ابن أبي زيد إنما آثر ذلك التعبير لورود القرآن به في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥])، ولأن الفعل تخبط مطاوع للفعل خبط، فاقتصر عليه اختصارا، والأصل خبطه فتخبط.
ويبدو أن هذه المنهجية التي سار عليها ابن أبي زيد كان لها أثر على بعض من شرحوا كتابه كأبي الحسن والنفراوي وغيرهما ﵏، فإنهم من الذين لم يغفلوا الإشارة إلى أدلة الأحكام في بعض المواطن، وبيان وجهة نظر المالكية فيها، وقد يجنحون إلى ترجيح غير المشهور في المذهب بالنظر إلى قوة الدليل، وصدق رسول الله ﷺ، وهو الصادق:«فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة»(١).
وتصانيف الفقه تكثر فيها القياسات، وكثيرا ما توجد فيها الآراء البعيدة عن ضوابط القياس، وفي الرسالة شيئ من الآراء التي هي من أقوال علماء المذهب في تفاصيل بعض الأحكام، وهذا غير منكور، وقد تجد ما لا يستند إلى دليل، بل هو مخالف لما هو معروف في المذهب من قاعدة عدم التحديد والتوقيت، وقد تقدم ذكر مخالفة ابن أبي زيد لها اعتمادا على النص في مسألة عد الركعات التي تصلى بعد الظهر، بخلاف ذكره الدعاء الذي
(١) رواه البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨) عن أبي موسى الأشعري.