يخفض صوته، ومر بعمر وهو يرفع صوته، فلما اجتمعا عنده؛ سألهما فقال أبو بكر:«أسمعتُ من ناجيتُ»، وقال عمر:«أوقظ الوَسنان، وأطرد الشيطان»، فقال:«يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا»، وقال لعمر:«اخفض من صوتك شيئا»، وهو في سنن أبي داود والترمذي (٤٤٧)، ومراده بقوله «أسمعت من ناجيت»؛ أن ربي الذي أناجيه أي أساره يسمعني، فإنه يعلم السر وأخفى، فلا حاجة لي إلى الجهر، وقول عمر أوقظ الوسنان؛ يعني النائم الذي ليس مستغرقا في نومه، وأطرد الشيطان؛ يعني أن الجهر أنشط لي وأعون على إبعاد وسوسة الشيطان بالغفلة والفتور، فكان لكل منهما ﵄ مقصد فيما فعلاه.
وأما الإسرار بنوافل النهار فبالقياس على صلاتي الظهر والعصر، لكن من جهر في نوافل النهار، وأسر في نوافل الليل؛ فلا حرج في ذلك، وقد تقدم أن النبي ﷺ كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاتي الظهر والعصر، وهذا في الفريضة المعتاد الإسرار بها، فكيف بالنافلة؟، وقد ذهب النووي إلى أن جهر النبي ﷺ بذلك ليس مقصودا، بل هو ناشئ عن استغراقه ﷺ وتدبره لما يقرأ، والصواب كونه مقصودا، لما فيه من شد انتباه المأموم، ولبيانه ما يقرأ في تلك الصلاة، والله أعلم
وفي النوادر (جامع القول في صلاة النوافل)، قال مالك:«ومن شأن الناس في قيام الليل يرفعون أصواتهم بالقراءة»، وقال عمن يتنفل بالنهار:«إن كان خاليا لا يسمع أحدا؛ فلا بأس بذلك»، وهي رواية ابن القاسم، وقال عنه ابن نافع:«لا بأس بالجهر في النافلة بالنهار، ولعله أقوى له»، ومشروعية الجهر مقيدة بما إذا كان لا يشوش على مصل آخر، للحديث الوارد في ذلك، وهو حديث مناجاة المصلي ربه، وقد تقدم.