قوله فأتموا، فرأى أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، واعتمد بعضهم لفظ فاقضوا فاعتبر ما يدركه آخر صلاته، والمذهب الجمع بين الأمرين، فهو أول صلاته في الأفعال حتى لا يخالف إمامه، وآخر صلاته في الأقوال، لأن الأصل أن يقضى ما فات كما فات، والظاهر أنه لا حجة للفريقين في واحد من اللفظين، فإن الإتمام والقضاء كل منهما يأتي بمعنى الآخر، قال تعالى: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢]، أي افعل ما أنت فاعل، وقال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ومعناه ائتوا بهما تامين على أحد الوجهين، وقيل أتموهما إذا شرعتم فيهما، فيكون معنى القضاء والإتمام في الحديث واحدا وهو افعلوا ما فات، وهذا هو الشأن في الألفاظ المختلفة التي يمكن أن تحمل على أمر مشترك بينها كما في الأمر بقص الشوارب وجزها وإنهاكها وإحفائها، ولا سيما إذا اتحد المخرج كما هو الأمر هنا، والذي نحن فيه الأصل أن يؤدى ما فات كما فات، لكن عارضه هنا أصل آخر، وهو أن تكبيرة الإحرام هي أول الصلاة، فكيف يليها آخر الصلاة؟، والسلام آخرها، فكيف يلي أولها، وثمة أمر آخر مراعى هنا على القول بأن ما أدركه هو أول صلاته مطلقا، هو عدم الاختلاف على الإمام، فإن في اعتبار ما أدركه أول الصلاة تقليلا للاختلاف عليه، وقد روعي في مشهور مذهب مالك كل من الأصلين، فأعطي لكل منهما نصيب.
قال الحافظ في (الفتح ٢/ ١٥٦): «وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور، فإنهم قالوا إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته، إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، وكأن الحجة فيه قوله: «ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن»، أخرجه البيهقي».
وفي الموطإ (١٧٧)«عن نافع عن ابن عمر كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة؛ أنه إذا سلم الإمام قام عبد الله بن عمر، فقرأ لنفسه فيما يقضي وجهر».
وفي النوادر (في قضاء المأموم) نص مالك في رواية ابن نافع على أن ما يدركه المأموم هو أول صلاته، ولكن لا يقرأ فيها إلا كما يقرأ الإمام، ويقضي ما فاته على نحو ما فاته،