للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم والنسائي.

وفي الحديثين ثلاثة أمور: أولها: أنهما صريحان في أن الفريضة هي الأولى، والثانية: نافلة، ولأن الثانية لو كانت فريضة لكان قد صلى الصلاة في يوم واحد مرتين، وقد ورد النهي عن ذلك في سنن أبي داود (٥٧٩) والنسائي من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «لا تصلوا صلاة في يوم مرتين»، فيحمل هذا النهي على اتفاق الصلاتين من كل وجه، وفي المذهب يعيد مفوضا لا ينويها فريضة ولا نافلة، ولعل معتمدهم في ذلك ما رواه مالك في الموطإ (٢٩٤) عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال: «إني أصلي في بيتي، ثم أدرك الصلاة مع الإمام، أفأصلي معه؟، فقال له عبد الله بن عمر: نعم، فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟، فقال له ابن عمر: أو ذلك إليك؟، إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء»، لكن قول ابن عمر هذا ليس ظاهرا في كون الثانية ليست نافلة بل المقصود القبول، وقد يكون قبول الله تعالى النافلة أجدى على المرء من الفريضة، ثم وجدت ابن العربي حمله على القبول، فلله الحمد والمنة، والأمر الثاني: أنه ليس في الحديثين قصر مشروعية الإعادة على من صلى منفردا، كما هو واضح، وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في الأقوال، كما قال أهل الأصول، ويؤيده حديث أبي سعيد - وسيأتي ذكره - قال: جاء رجل وقد صلى رسول الله ، فقال: «أيكم يتجر على هذا»؟، فقام رجل فصلى معه»، والرجل كان قد صلى مع رسول الله فيما يظهر، لكن الجمهور ومنهم مالك على أن الإعادة إنما تشرع في حق من صلى منفردا، قال ابن عبد البر (٢/ ١٥٥) مبينا قول الجمهور: «وأما من صلى في جماعة وإن قلت؛ فإنه لا يعيد في جماعة أكثر منها ولا أقل، وكل من صلى عندهم مع آخر فقد صلى في جماعة، ولا يعيد في أخرى قلت أو كثرت، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة، أو رابعة إلى ما لا نهاية له، وهذا لا يخفى فساده»، انتهى.

قلت: وأي ضير إن كرر الإعادة؟.

والثالث: أن الإعادة إنما تشرع في حق من أتى المسجد لا مطلق الجماعة، كما هو نص حديث يزيد بن الأسود، إذ فيه: ثم أتيتما مسجد جماعة، ودل على ذلك أيضا حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>