أما إن كان المسجد لا تصلى فيه كل الصلوات بإمام راتب؛ فللإمام فيه روايتان: أولاهما لأشهب عنه في مسجد له إمام راتب في بعض الصلوات دون بعض؛ قال لا بأس أن يجمع فيه من الصلوات مرتين ما لا يجمع بإمام راتب».
وروى عن ابن القاسم: لا تجمع فيه صلاة مرتين، لا من الصلوات التي يجمع فيها بإمام راتب ولا من غيرها»، ذكر الروايتين ابن عبد البر.
وقال يحي بن يحي الليثي (الموطإ/ ١٥٠): سئل مالك عن مؤذن أذن لقوم، ثم انتظر هل يأتيه أحد؟، فلم يأته أحد، فأقام الصلاة وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ، أيعيد الصلاة معهم؟، قال:«لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه؛ فليصل لنفسه وحده»، وقد فسر ابن نافع قول مالك بأن مراده الإمام الراتب.
وأقره ابن عبد البر في (الاستذكار ١/ ٣٩٤) فقال: «تفسير ابن نافع لذلك تفسير حسن على أصل مذهب مالك، لأنه لم يختلف قوله: إن كل مسجد له إمام راتب لا تجمع فيه صلاة واحدة مرتين، فإن كان مسجد على طريق يصلي فيه المارة، يجمعون فيه، فلمن جاء بعدهم أن يجمع فيه، وهو قول ابن القاسم، وأجازه أشهب».
ومما يرتضى ما قاله ابن العربي في العارضة (٢/ ٢١): «هذا معنى محفوظ في الشريعة عن زيغ المبتدعة لئلا يتخلف عن الجماعة، ثم يأتي فيصلي بإمام آخر، فتذهب حكمة الجماعة وسنتها، لكن ينبغي إذا أذن الإمام في ذلك أن يجوز كما في حديث أبي سعيد، وهو قول بعض علمائنا، وذلك مبني على أن ذلك حق الإسلام، أو حق الإمام،،،»، وقد قال كلاما نفيسا في هذا المعنى، فانظره في أحكام القرآن (٢/ ١٠١٣) عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧)﴾ [التوبة: ١٠٧].