والذي يظهر أن ما يذكره بعض أهل العلم دليلا على نجاسة الدم لا ينتج المطلوب، وبناء عليه يكون انصراف الراعف لا لنجاسة الدم، بل لما في ذلك من تلطيخ ثيابه، أو تلويث المسجد، والفرق واضح بين الأمرين، والله أعلم.
والرعاف سيلان الدم من الأنف، يقال رعف يرعف بفتح العين فيهما، وضمها في المضارع أيضا، والراعف في المذهب لا يخلو من حالين، أن يسيل دمه ويقطر بحيث لا يمكن فتله، وتجفيفه بأنامله، أو يكون قليلا، فالأول إن كان إماما أو مأموما استحب له أن يخرج لغسل الدم ثم يعود لصلاته فيبني على ما صلى، إذا توفرت الشروط الآتي ذكرها، ولا يبني إلا على ركعة تامة بسجدتيها، وهذا هو المشهور، وقيل يبني على ما دون ذلك أيضا، وقد اختلف في بناء الفذ، فقيل يبني، وقيل لا يبني، وسبب الخلاف هل البناء رعاية للعبادة بحيث لا تبطل متى أمكن ذلك، فيكون البناء مشروعا في حق الجميع، أم هو رعاية لصلاة الجماعة وحق الإمام فلا يشرع للمنفرد؟، وعند ابن القاسم القطع أولى لما في البناء من تفريق أجزاء الصلاة وحقها الاتصال.
ولصحة بناء الراعف شروط ستة أشار المصنف إلى اثنين منها هما عدم الكلام إلا لإصلاح الصلاة في حال ذهابه وإيابه، وأن لا يطأ نجاسة، والثالث أن لا يتجاوز أقرب مكان يمكنه فيه غسل الدم، شرط أن يكون المكان قريبا في نفسه بالعرف، وأن لا يستدبر القبلة لغير طلب الماء، وأن لا يتلطخ بالدم زيادة على القدر المعفى عنه، وهذه الشروط المرجع فيها الاجتهاد مع ما فيها من النقل عن السلف، وقاعدة الضرورة تقدّر بقدرها.