قال الباجي:«والصواب أن يأذن فيه الإمام كما أذن عثمان»، والمشهور في المذهب عدم السقوط ولو أذن الإمام، قال خليل مبينا ما تسقط معه الجمعة رادا لرواية السقوط:«لا عرس، أو عمى، أو شهود عيد، وإن أذن الإمام»، والمراد بقوله عرس بكسر العين أن الابتناء بالمرأة ليس من الأعذار.
قلت: عثمان ﵁ لم يستبد بالإذن فيما يظهر، حتى يعلق ترك الجمعة على إذن الإمام، بل الظاهر أنه اعتمد على ما ثبت عنده من السنة، فعلمها للناس، واختص من يأتون من بعد لأن الأمر في حقهم أبين، هذا هو اللائق بحاله، أما أن يقال إن الجمعة غير واجبة على من كان على مسافتهم؛ فهذا خلاف المقرر في المذهب، وهو وجوبها على أهل العوالي وهم على نحو ثلاثة أميال، وهو الحد الادنى لمنازلهم.
ومن الحجة في سقوط الجمعة عمن صلى العيد ما رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود (١٠٧٠) واللفظ له عن إياس بن أبي رملة الشامي شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد ابن أرقم قال: «أشهدت مع رسول الله ﷺ عيدين اجتمعا في يوم؟، قال: نعم، قال: فكيف صنع؟، قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: «من شاء أن يصلي فليصل»، صححه علي بن المديني والنووي، كما في الأجوبة النافعة للألباني، وقد دل الحديث على عدم اللزوم للتخيير الذي فيه، ودل ذلك على أن الإمام يقيم الجمعة كي يصليها من شاء، ولما كان المخاطبون هم المصلين؛ يتجه أن يقال إن المرخص له في ترك الجمعة هو من صلى العيد، وقد خصصه الصنعاني بذلك، وقد روى أبو داود (١٠٧١) عن عطاء بن أبي رباح قال: «صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: «أصاب السنة»، وقوله هذا له حكم الرفع عند جمهور المحدثين، فمن كانت الجمعة في حقه نفلا صلى أربعا إن لم يصلها.
وقد سمعت عن شيخ زاوية طولقة بولاية بسكرة: أنه منذ نحو سبع وعشرين سنة ترك إقامة الجمعة في زاويته حيث وافقت يوم عيد، فكان ذلك سببا في عقد لقاء بوزارة الشؤون الدينية، نوقشت فيه هذه المسألة، وقد استغرب بعض الحاضرين هذا الصنيع منه