بن عبد الله «أنه ﷺ لما فرغ نزل وأتى النساء فذكرهن»، فهذا قد يؤخذ منه أنه خطب على شيء عال، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم.
أما الجلوس قبل الخطبتين، ففي المدونة:«الخطب كلها خطبة الإمام في الاستسقاء، والعيدين، ويوم عرفة، والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس، وقبل أن يبتدئ الخطبة الأولى يجلس، ثم يقوم يخطب ثم يجلس أيضا، هكذا قال لي مالك»، وهذا يدل على قياس غير الجمعة عليها، وأن الصلوات ذوات الخطب كلها سواء، وهذا فيه شيء، فإن الخطيب في الجمعة يجلس لينتهي المؤذن من الأذان، فكان جلوسه لهذا المعنى، أما في الصلوات التي تصحبها خطب، ولا أذان فيها، فالجلوس متوقف على الدليل، ولا يصح القياس للفارق بين الجمعة وغيرها إذا سلم القياس في العبادات، وجلوسه ﷺ قبل خطبتي الجمعة معلل بما علمت من انتظار انتهاء الأذان.
واعلم أنه إنما اعتمد في إثبات خطبتين للعيد إما بالقياس على الجمعة، وإلا فإن الوارد فيه عن النبي ﷺ إنما هو نحو ما تقدم من التذكير والوعظ، لكن جاء في ذلك ما رواه الشافعي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:«السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس».
وقوله «من السنة»؛ ليس من المرفوع، بل هو موقوف، لأنه يعطى حكم الرفع لو كان القائل صحابيا، لكنه يدل على فشو هذا الأمر في ذلك العهد، وإذا لم يعلم من قال به من السلف كان الخير في اتباعهم في فهمهم، فإنه أسلم وأحكم، والله أعلم.
وقد جاء ما فيه حجّة على التخيير في حضور خطبة العيد، وهو ما رواه أبو داود عن عبد الله بن السائب، قال:«شهدت مع رسول الله ﷺ العيد، فلما قضى الصلاة، قال: إنا نخطب، فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحبّ أن يذهب فليذهب» قال أبو داود: «هذا مرسل»، وصححه الألباني.