ترك التكبير جهرا رأسا كما عليه بعض إخواننا، فإن السنة بين الغالي والجافي، والتكبير الجماعي الذي يحصل عرضا أو متابعة للإمام لا حرج فيه إن شاء الله، بل ظاهر بعض الآثار حصول ذلك قصدا، وكون الشيء غير مشروع في وقت لا يعني أنه لا يشرع في غيره، وإلا فإن التلاقي في الصوت الواحد إذا جهر بالتكبير قد لا يمكن تلافيه، وقد علق البخاري في صحيحه بصيغة الجزم قائلا:«وكان عمر ﵁ كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد»، انتهى.
والخلاف واسع فيمن يشرع له هذا التكبير جهرا، هل يشمل الرجال والنساء، أو يختص بالرجال؟، وهل يختص بأدبار الصلوات أو يعم؟، ومما جرى فيه الخلاف بداية هذا التكبير ونهايته، وظاهر تصرف البخاري عمومه.
ومشهور المذهب في وقت التكبير أدبار الصلوات ما ذكره المؤلف، ووجه ذلك أن الذكر المأمور به في القرآن مشروط بقضاء المناسك، وآخر المناسك طواف الإفاضة، وأول صلاة بعد هذا الطواف هي الظهر، فهذا دليل البداية، وقد قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾.
أما أن نهاية التكبير ظهر اليوم الرابع؛ فلأن آخر صلاة للناس بمنى صلاة الصبح من ذلك اليوم، فإذا زالت الشمس رموا ونفروا، ولأنه عمل أهل المدينة»، ذكره في النوادر عن محمد بن سحنون، وهو تعليل وجيه، وفي المسألة أقوال.