الأدب المفرد له، وفي سنن أبي داود وغيرها؛ لكونه ينصرف إلى ما له علاقة بين المرء وغيره غالبا، وإن كان الشيخ زروق قال عنه: «وإن كانت (يريد السنن) منوطة بالفوائد كالأكل والشرب واللباس والسفر ونحوه فهي الآداب»، فإن هذا بحسب الغالب.
والمرء قد يحوز العلم ولا يكون متأدبا، ولذلك ينبغي أن يسبق، وقد ابتدأ النبي ﷺ به، ثم عطف عليه العلم، فلنبدأ بما بدأ به إذ قال:«ثلاثة لهم أجران، إلى أن قال: «ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها»(١)، وفي رواية لمسلم: غذاها فأحسن غذاءها، وحيث لم يذكر التعليم، فقد دخل في الأدب، لأنهما يشملهما التعليم، فجمع في هذا الحديث بين ما يصح به الجسم، وهو الغذاء، وما يسلم به العقل، وهو العلم، وما يصلح به السلوك وهو الأدب، وقدم الغذاء لأنه سابق، فلم نترك هذا ونقول الحكمة اليونانية: العقل السليم في الجسم السليم؟.
وقد كان الناس يطلقون على المعلمين المؤدبين والمربين، قال مالك ﵁:«كانت أمي تعممني، وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه»، وقد قيل: كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد بن حنبل خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت:
والعلم إن لم تكتنفه شمائل … تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده … ما لم يتوج ربه بخلاق
والمتأدب يدعو الناس بأدبه إلى ما هو عليه من أقوال وأفعال، فهو ركن أساس في الدعوة، وإذا افترضنا أن الناس لم يتابعوا الداعي على ما هو عليه، فإنهم في الغالب لا يتعرضون له مواجهة.
وقوله:«وجمل من أصول الفقه وفنونه»، الأصول؛ جمع أصل، وهو ما يُبنى عليه غيره، حسا أو معنى كالأساس بالنسبة للجدار، وأسفل الشجرة بالنسبة لأعلاها، وقروع الفقه بالنسبة لأصوله.